ثم قال تعالى في البنات : ( 
وإن كانت واحدة فلها النصف   ) فلزم من مجموع هاتين الآيتين أن نصيب الابن المفرد جميع المال . 
الثاني : أنا نستفيد ذلك من السنة وهي قوله عليه الصلاة والسلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012281ما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر   " ولا نزاع أن الابن عصبة ذكر ، ولما كان الابن آخذا لكل ما بقي بعد السهام وجب فيما إذا لم يكن سهام أن يأخذ الكل . الثالث : إن أقرب العصبات إلى الميت هو الابن ، وليس له بالإجماع قدر معين من الميراث ، فإذا لم يكن معه صاحب فرض لم يكن له أن يأخذ قدرا أولى منه بأن يأخذ الزائد ، فوجب أن يأخذ الكل . 
فإن قيل : حظ الأنثيين هو الثلثان فقوله : ( 
للذكر مثل حظ الأنثيين   ) يقتضي أن يكون حظ الذكر مطلقا هو الثلث ، وذلك ينفي أن يأخذ كل المال .  
[ ص: 168 ] قلنا : المراد منه حال الاجتماع لا حال الانفراد ، ويدل عليه وجهان : 
أحدهما : أن قوله : ( 
يوصيكم الله في أولادكم   ) يقتضي حصول الأولاد ، وقوله : ( 
للذكر مثل حظ الأنثيين   ) يقتضي حصول الذكر والأنثى هناك . والثاني : أنه تعالى ذكر عقيبه حال الانفراد ، هذا كله إذا مات وخلف ابنا واحدا فقط ، أما إذا 
مات وخلف أبناء كانوا متشاركين في جهة الاستحقاق ولا رجحان ، فوجب قسمة المال بينهم بالسوية . والله أعلم . 
بقي في الآية سؤالان : 
السؤال الأول : لا شك أن المرأة أعجز من الرجل لوجوه : 
أما أولا : فلعجزها عن الخروج والبروز ، فإن زوجها وأقاربها يمنعونها من ذلك . 
وأما ثانيا : فلنقصان عقلها وكثرة اختداعها واغترارها . 
وأما ثالثا : فلأنها متى خالطت الرجال صارت متهمة ، وإذا ثبت أن عجزها أكمل وجب أن يكون نصيبها من الميراث أكثر ، فإن لم يكن أكثر فلا أقل من المساواة ، فما 
الحكمة في أنه تعالى جعل نصيبها نصف نصيب الرجل   . 
والجواب عنه من وجوه : 
الأول : أن خرج المرأة أقل ؛ لأن زوجها ينفق عليها ، وخرج الرجل أكثر لأنه هو المنفق على زوجته ، ومن كان خرجه أكثر فهو إلى المال أحوج . الثاني : أن الرجل أكمل حالا من المرأة في الخلقة وفي العقل وفي المناصب الدينية ، مثل صلاحية القضاء والإمامة ، وأيضا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ، ومن كان كذلك وجب أن يكون الإنعام عليه أزيد . الثالث : أن المرأة قليلة العقل كثيرة الشهوة ، فإذا انضاف إليها المال الكثير عظم الفساد قال الشاعر : 
إن الفراغ والشباب والجده مفسدة للمرء أي مفسده 
وقال تعالى : ( 
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى   ) [ العلق : 6 - 7 ] وحال الرجل بخلاف ذلك . والرابع : أن الرجل لكمال عقله يصرف المال إلى ما يفيده الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة ، نحو بناء الرباطات ، وإعانة الملهوفين والنفقة على الأيتام والأرامل ، وإنما يقدر الرجل على ذلك لأنه يخالط الناس كثيرا ، والمرأة تقل مخالطتها مع الناس فلا تقدر على ذلك . 
الخامس : روي أن 
جعفرا الصادق  سئل عن هذه المسألة فقال : إن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها ، وأخذت حفنة أخرى وخبأتها ، ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى 
آدم  ، فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب الله الأمر عليها ، فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل . 
السؤال الثاني : لم لم يقل : للأنثيين مثل حظ الذكر ، أو للأنثى مثلا نصف حظ الذكر ؟ 
والجواب من وجوه : 
الأول : لما كان الذكر أفضل من الأنثى قدم ذكره على ذكر الأنثى ، كما جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى . 
الثاني : أن قوله : ( 
للذكر مثل حظ الأنثيين   ) يدل على فضل الذكر بالمطابقة وعلى نقص الأنثى بالالتزام ، ولو قال : كما ذكرتم لدل ذلك على نقص الأنثى بالمطابقة وفضل الذكر بالالتزام ، فرجح الطريق الأول تنبيها على أن السعي في تشهير الفضائل يجب أن يكون راجحا على السعي في تشهير الرذائل ، ولهذا قال : ( 
إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها   ) [ الإسراء : 7 ] فذكر الإحسان مرتين والإساءة مرة واحدة . الثالث : أنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث وهو السبب لورود هذه الآية ، فقيل : كفى للذكر أن جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى ، فلا ينبغي له أن يطمع في جعل الأنثى محرومة عن الميراث بالكلية . والله أعلم .