1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة النساء
  4. قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت
صفحة جزء
النوع السادس : من التكاليف المتعلقة بالنساء المذكورة في هذه الآيات :

( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ) .

قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ) .

اعلم أنه تعالى نص على تحريم أربعة عشر صنفا من النسوان : سبعة منهن من جهة النسب ، وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وسبعة أخرى لا من جهة النسب وهن : الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء وبنات النساء بشرط أن يكون قد دخل بالنساء ، وأزواج الأبناء والآباء ، إلا أن أزواج الأبناء مذكورة ههنا ، وأزواج الآباء مذكورة في الآية المتقدمة ، والجمع بين الأختين . وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : ذهب الكرخي إلى أن هذه الآية مجملة قال : لأنه أضيف التحريم فيها إلى الأمهات والبنات ، والتحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان ، وإنما يمكن إضافته إلى الأفعال ، وذلك الفعل غير مذكور في الآية ، فليست إضافة هذا التحريم إلى بعض الأفعال التي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمهات والبنات ، أولى من بعض ، فصارت الآية مجملة من هذا الوجه .

والجواب عنه من وجهين :

الأول : أن تقديم قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ) يدل على أن المراد من قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) تحريم نكاحهن .

الثاني : أن من المعلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن المراد منه تحريم نكاحهن ، والأصل فيه أن الحرمة والإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان ، فالمراد [ ص: 22 ] تحريم الفعل المطلوب منها في العرف ، فإذا قيل : حرمت عليكم الميتة والدم ، فهم كل أحد أن المراد تحريم أكلهما ، وإذا قيل : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ، فهم كل أحد أن المراد تحريم نكاحهن ، ولما قال عليه الصلاة والسلام : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى معان ثلاث " فهم كل أحد أن المراد لا يحل إراقة دمه ، وإذا كانت هذه الأمور معلومة بالضرورة كان إلقاء الشبهات فيها جاريا مجرى القدح في البديهيات وشبه السوفسطائية ، فكانت في غاية الركاكة ، والله أعلم .

بلى عندي فيه بحث من وجوه أخرى :

أحدها : أن قوله : ( حرمت عليكم ) مذكور على ما لم يسم فاعله ، فليس فيه تصريح بأن فاعل التحريم هو الله تعالى ، وما لم يثبت ذلك لم تفد الآية شيئا آخر ، ولا سبيل إليه إلا بالإجماع ، فهذه الآية وحدها لا تفيد شيئا ، بل لا بد معها من الإجماع على هذه المقدمة .

وثانيها : أن قوله : ( حرمت عليكم ) ليس نصا في ثبوت التحريم على سبيل التأبيد ، فإن القدر المذكور في الآية يمكن تقسيمه إلى المؤبد ، وإلى المؤقت ، كأنه تعالى تارة قال : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى الوقت الفلاني فقط ، وأخرى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم مؤبدا مخلدا ، وإذا كان القدر المذكور في الآية صالحا لأن يجعل موردا للتقسيم بهذين القسمين ، لم يكن نصا في التأبيد ، فإذن هذا التأبيد لا يستفاد من ظاهر الآية ، بل من دلالة منفصلة .

وثالثها : أن قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) خطاب مشافهة فيخصص بأولئك الحاضرين ، فإثبات هذا التحريم في حق الكل إنما يستفاد من دليل منفصل ، ورابعها : أن قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) إخبار عن ثبوت هذا التحريم في الماضي ، وظاهر اللفظ غير متناول للحاضر والمستقبل فلا يعرف ذلك إلا بدليل منفصل .

وخامسها : أن ظاهر قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) يقتضي أنه قد حرم على كل أحد جميع أمهاتهم وجميع بناتهم ، ومعلوم أنه ليس كذلك ، بل المقصود أنه تعالى قابل الجمع بالجمع ، فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد ، فهذا يقتضي أن الله تعالى قد حرم على كل أحد أمه خاصة ، وبنته خاصة ، وهذا فيه نوع عدول عن الظاهر ، وسادسها : أن قوله : ( حرمت ) يشعر ظاهره بسبق الحل ، إذ لو كان أبدا موصوفا بالحرمة لكان قوله : ( حرمت ) تحريما لما هو في نفسه حرام ، فيكون ذلك إيجاد الموجود وهو محال ، فثبت أن المراد من قوله : ( حرمت ) ليس تجديد التحريم حتى يلزم الإشكال المذكور ، بل المراد الإخبار عن حصول التحريم ، فثبت بهذه الوجوه أن ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية