صفحة جزء
المسألة الثانية : قال الشافعي - رضي الله عنه - : المرأة البالغة العاقلة لا يصح نكاحها إلا بإذن الولي ، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يصح ، احتج الشافعي بهذه الآية ، وتقريره أن الضمير في قوله : ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) عائد إلى الإماء ، والأمة ذات موصوفة بصفة الرق ، وصفة الرق صفة زائلة ، والإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة زائلة لا يتناول الإشارة إلى تلك الصفة ، ألا ترى أنه لو حلف لا يتكلم مع هذا الشاب فصار شيخا ثم تكلم معه يحنث في يمينه ؟ فثبت أن الإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة عرضية زائلة باقية بعد زوال تلك الصفة العرضية ، وإذا ثبت هذا فنقول : قوله : ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) إشارة إلى الإماء ، فهذه الإشارة وجب أن تكون باقية حال زوال الرق عنهن وحصول صفة الحرية لهن ، وإذا كان كذلك فالحرة البالغة العاقلة في هذه الصورة يتوقف جواز نكاحها على إذن وليها ، وإذا ثبت ذلك في هذه الصورة وجب ثبوت هذا الحكم في سائر الصور ؛ ضرورة أنه لا قائل بالفرق .

احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على فساد قول الشافعي في هذه المسألة فقال : مذهبه أنه لا عبارة للمرأة في عقد النكاح ، فعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تزوج أمتها ، بل مذهبه أن توكل غيرها بتزويج أمتها . قال : وهذه الآية تبطل ذلك ؛ لأن ظاهر هذه الآية يدل على الاكتفاء بحصول إذن أهلها ، فمن قال لا يكفي ذلك كان تاركا لظاهر الآية .

والجواب من وجوه :

الأول : أن المراد بالإذن الرضا ، وعندنا أن رضا المولى لا بد منه ، فأما أنه كاف فليس في الآية دليل عليه .

وثانيها : أن أهلهن عبارة عمن يقدر على نكاحهن ، وذلك إما المولى إن كان رجلا ، أو ولي مولاها إن كان مولاها امرأة .

وثالثها : هب أن الأهل عبارة عن المولى ، لكنه عام يتناول الذكور [ ص: 51 ] والإناث ، والدلائل الدالة على أن المرأة لا تنكح نفسها خاصة ، قال عليه الصلاة والسلام : " العاهر هي التي تنكح نفسها " فثبت بهذا الحديث أنه لا عبارة لها في نكاح نفسها ، فوجب أن لا يكون لها عبارة في نكاح مملوكتها ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية