صفحة جزء
( أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) الموضع الثاني في الاستثناء : قوله تعالى : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) وفي الآية مسائل :

[ ص: 178 ] المسألة الأولى : قوله تعالى : ( أو جاءوكم ) يحتمل أن يكون عطفا على صلة " الذين " والتقدير : إلا الذين يصلون بالمعاهدين أو الذين حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم ، ويحتمل أن يكون عطفا على صفة " قوم " والتقدير : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم عهد ، أو يصلون إلى قوم حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم ، والأول أولى لوجهين :

أحدهما : قوله تعالى : ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) وإنما ذكر هذا بعد قوله ( فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ) وهذا يدل على أن السبب الموجب لترك التعرض لهم هو تركهم للقتال ، وهذا إنما يتمشى على الاحتمال الأول ، وأما على الاحتمال الثاني فالسبب الموجب لترك التعرض لهم هو الاتصال بمن ترك القتال .

الثاني : أن جعل ترك القتال موجبا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض ، لأن على التقدير الأول يكون ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض ، وعلى السبب الثاني يصير سببا بعيدا .

المسألة الثانية : قوله : ( حصرت صدورهم ) معناه ضاقت صدورهم عن المقاتلة فلا يريدون قتالكم لأنكم مسلمون ، ولا يريدون قتالهم لأنهم أقاربهم . واختلفوا في موضع قوله : ( حصرت صدورهم ) وذكروا وجوها :

الأول : أنه في موضع الحال بإضمار " قد " وذلك لأن " قد " تقرب الماضي من الحال ، ألا تراهم يقولون : قد قامت الصلاة ، ويقال أتاني فلان ذهب عقله ، أي أتاني فلان قد ذهب عقله : وتقدير الآية : أو جاءوكم حال ما حصرت صدورهم .

الثاني : أنه خبر بعد خبر ، كأنه قال : أو جاءوكم ؛ ثم أخبر بعده فقال : ( حصرت صدورهم ) وعلى هذا التقدير يكون قوله : ( حصرت صدورهم ) بدلا من ( جاءوكم ) .

الثالث : أن يكون التقدير : جاءوكم قوما حصرت صدورهم أو جاءوكم رجالا حصرت صدورهم ، فعلى هذا التقدير قوله : ( حصرت صدورهم ) نصب لأنه صفة لموصوف منصوب على الحال ، إلا أنه حذف الموصوف المنتصب على الحال ، وأقيمت صفته مقامه ، وقوله : ( أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ) معناه ضاقت قلوبهم عن قتالكم وعن قتال قومهم فهم لا عليكم ولا لكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية