[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا   ) . 
قوله تعالى : ( 
ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا   ) . 
اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في 
تحريم قتل المؤمنين ، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه ؛ لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف ، وهذه المبالغة تدل على أن الآية المتقدمة خطاب مع المؤمنين وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ 
حمزة  والكسائي  هنا ، وكذلك في الحجرات " فتثبتوا " من ثبت ثباتا ، والباقون بالنون من البيان ، والمعنيان متقاربان ، فمن رجح التثبيت قال : إنه خلاف الإقدام ، والمراد في الآية التأني وترك العجلة ، ومن رجح التبيين قال : المقصود من التثبيت التبيين ، فكان التبيين أبلغ وأكمل . 
المسألة الثانية : الضرب معناه السير فيها بالسفر للتجارة أو الجهاد ، وأصله من الضرب باليد ، وهو كناية عن الإسراع في السير فإن من ضرب إنسانا كانت حركة يده عند ذلك الضرب سريعة ، فجعل الضرب كناية عن الإسراع في السير . 
قال 
الزجاج    : ومعنى ( 
ضربتم في سبيل الله   ) أي غزوتم وسرتم إلى الجهاد . 
ثم 
قال تعالى : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا   )   . 
أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين ، ومنه قوله : ( 
وألقوا إلى الله يومئذ السلم   ) [ النحل : 87] أي : استسلموا للأمر ، ومن قرأ " السلام " بالألف فله معنيان : 
أحدها : أن يكون المراد السلام الذي يكون هو تحية المسلمين ، أي لا تقولوا لمن حياكم بهذه التحية : إنه إنما قالها تعوذا ، فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ، ولكن كفوا واقبلوا منه ما أظهره . 
والثاني : أن يكون المعنى : لا تقولوا لمن اعتزلكم ولم يقاتلكم لست مؤمنا ، وأصل هذا من السلامة ؛ لأن المعتزل طالب للسلامة . 
قال صاحب الكشاف : قرئ " مؤمنا " بفتح الميم من آمنه أي : لا نؤمنك . 
المسألة الثالثة : في سبب نزول هذه الآية روايات : 
الرواية الأولى : 
أن مرداس بن نهيك  رجل من أهل فدك  ، أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فذهبت سرية   [ ص: 4 ] الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قومه وأميرهم غالب بن فضالة  ، فهرب القوم وبقي مرداس  لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل ، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل ، وقال : لا إله إلا الله محمد  رسول الله السلام عليكم ، فقتله  nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد  وساق غنمه ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدا شديدا وقال : قتلتموه إرادة ما معه ، ثم قرأ الآية على أسامة  ، فقال أسامة    : يا رسول الله استغفر لي ، فقال : فكيف وقد تلا لا إله إلا الله ! قال أسامة    : فما زال يعيدها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ، ثم استغفر لي وقال : أعتق رقبة   . 
الرواية الثانية : 
أن القاتل محلم بن جثامة  ، لقيه عامر بن الأضبط  فحياه بتحية الإسلام ، وكانت بين محلم  وبينه إحنة في الجاهلية فرماه بسهم فقتله ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "لا غفر الله لك" فما مضت به سبعة أيام حتى مات ، فدفنوه فلفظته الأرض ثلاث مرات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الذنب عنده" ثم أمر أن تلقى عليه الحجارة   . 
الرواية الثالثة : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012460أن  nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد بن الأسود  قد وقعت له مثل واقعة أسامة  ، قال : فقلت يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ بشجرة ، فقال : أسلمت لله تعالى ، أفأقتله يا رسول الله بعد ذلك ؟ فقال رسول الله : لا تقتله ، فقلت : يا رسول الله إنه قطع يدي ، فقال عليه الصلاة والسلام : "لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك بعد أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال   " . 
وعن 
أبي عبيدة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012461إذا أشرع أحدكم الرمح إلى الرجل ، فإن كان سنانه عند نقرة نحره ، فقال : لا إله إلا الله فليرفع عنه الرمح   " . قال 
القفال    -رحمه الله- : ولا منافاة بين هذه الروايات ، فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها ، فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته ، والله أعلم . 
المسألة الرابعة : اختلفوا في أن 
توبة الزنديق هل تقبل أم لا ؟ فالفقهاء قبلوها واحتجوا عليه بوجوه : 
الأول : هذه الآية ، فإنه تعالى لم يفرق في هذه الآية بين الزنديق وبين غيره ، بل أوجب ذلك في الكل . 
الحجة الثانية : قوله تعالى : ( 
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف   ) [الأنفال : 38] وهو عام في جميع أصناف الكفرة . 
الحجة الثالثة : أن الزنديق لا شك أنه مأمور بالتوبة ، والتوبة مقبولة على الإطلاق لقوله تعالى : ( 
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده   ) [الشورى : 25] وهذا عام في جميع الذنوب وفي جميع أصناف الخلق . 
المسألة الخامسة : 
إسلام الصبي صحيح عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : لا يصح . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة    : دلت هذه الآية على صحة إسلام الصبي ؛ لأن قوله : ( 
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا   ) عام في حق الصبي ، وفي حق البالغ . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : لو صح الإسلام منه لوجب ؛ لأنه لو لم يجب لكان ذلك إذنا في الكفر ، وهو غير جائز ، لكنه غير واجب عليه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012462رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ   " الحديث ، والله أعلم . 
المسألة السادسة : قال أكثر الفقهاء : 
لو قال اليهودي أو النصراني : أنا مؤمن ، أو قال أنا مسلم لا يحكم بهذا القدر بإسلامه ؛ لأن مذهبه أن الذي هو عليه هو الإسلام وهو الإيمان ، ولو قال : لا إله إلا الله 
محمد  رسول الله ، فعند قوم لا يحكم بإسلامه ؛ لأن فيهم من يقول : إنه رسول الله إلى العرب لا إلى الكل ، ومنهم من   
[ ص: 5 ] يقول : إن 
محمدا  الذي هو الرسول الحق بعد ما جاء ؛ وسيجيء بعد ذلك ، بل لا بد وأن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل ، وأن الدين الموجود فيما بين المسلمين هو الحق ، والله أعلم .