صفحة جزء
( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا )

[ ص: 52 ] قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) .

اعلم أن هذا من جملة ما أخبر الله تعالى أنه يفتيهم به في النساء مما لم يتقدم ذكره في هذه السورة وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال بعضهم : هذه الآية شبيهة بقوله : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ) [التوبة : 6] ، وقوله : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) [الحجرات : 9] ، وههنا ارتفع : ( امرأة ) بفعل يفسره : ( خافت ) ، وكذا القول في جميع الآيات التي تلوناها ، والله أعلم .

المسألة الثانية : قال بعضهم : خافت أي علمت ، وقال آخرون : ظنت ، وكل ذلك ترك للظاهر من غير حاجة ، بل المراد نفس الخوف ، إلا أن الخوف لا يحصل إلا عند ظهور الأمارات الدالة على وقوع الخوف ، وتلك الأمارات ههنا أن يقول الرجل لامرأته : إنك دميمة ، أو شيخة ، وإني أريد أن أتزوج شابة جميلة ، والبعل هو الزوج ، والأصل في البعل : هو السيد ، ثم سمي الزوج به ؛ لكونه كالسيد للزوجة ؛ ويجمع البعل على : بعولة ، وقد سبق هذا في سورة البقرة في قوله تعالى : ( وبعولتهن أحق بردهن ) [البقرة : 228] . والنشوز يكون من الزوجين ، وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه ، واشتقاقه من النشز : وهو ما ارتفع من الأرض ، ونشوز الرجل في حق المرأة أن يعرض عنها ، ويعبس وجهه في وجهها ، ويترك مجامعتها ويسيء عشرتها .

المسألة الثالثة : ذكر المفسرون في سبب نزول الآية وجوها :

الأول : روى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن الآية نزلت في ابن أبي السائب ، كانت له زوجة وله منها أولاد ، وكانت شيخة ، فهم بطلاقها ، فقالت : لا تطلقني ، ودعني أشتغل بمصالح أولادي ، واقسم في كل شهر ليالي قليلة ، فقال الزوج : إن كان الأمر فهو أصلح لي .

والثاني : أنها نزلت في قصة سودة بنت زمعة ، أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يطلقها ، فالتمست أن يمسكها ويجعل نوبتها لعائشة ، فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ولم يطلقها .

والثالث : روي عن عائشة أنها قالت : نزلت في المرأة تكون عند الرجل ، ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها ، فتقول : أمسكني وتزوج بغيري ، وأنت في حل من النفقة والقسم .

المسألة الرابعة : قوله : ( نشوزا أو إعراضا ) المراد بالنشوز : إظهار الخشونة في القول ، أو الفعل أو فيهما ، والمراد من الإعراض : السكوت عن الخير والشر ، والمداعاة ، والإيذاء ؛ وذلك لأن مثل هذا الإعراض يدل دلالة قوية على النفرة والكراهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية