صفحة جزء
[ ص: 61 ] المسألة الرابعة : اعلم أنه أمر في هذه الآية بالإيمان بأربعة أشياء :

أولها : بالله .

وثانيها : برسوله .

وثالثها : بالكتاب الذي نزل على رسوله .

ورابعها : بالكتاب الذي أنزل من قبل .

وذكر في الكفر أمورا خمسة :

فأولها : الكفر بالله .

وثانيها : الكفر بملائكته .

وثالثها : الكفر بكتبه .

ورابعها : الكفر برسله .

وخامسها : الكفر باليوم الآخر .

ثم قال تعالى : ( فقد ضل ضلالا بعيدا ) وفي الآية سؤالات :

السؤال الأول : لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب ، وفي مراتب الكفر قلب القضية ؟ .

الجواب : لأن في مرتبة النزول من معرفة الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول ، وفي مرتبة العروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب .

السؤال الثاني : لم ذكر في مراتب الإيمان أمورا ثلاثة : الإيمان بالله ، وبالرسول ، وبالكتب ، وذكر في مراتب الكفر أمورا خمسة : الكفر بالله ، وبالملائكة ، وبالكتب ، وبالرسل ، وباليوم الآخر ؟ .

والجواب : أن الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب متى حصل فقد حصل الإيمان بالملائكة واليوم الآخر لا محالة ، إذ ربما ادعى الإنسان أنه يؤمن بالله وبالرسل وبالكتب ، ثم إنه ينكر الملائكة وينكر اليوم الآخر ، ويزعم أنه يجعل الآيات الواردة في الملائكة وفي اليوم الآخر محمولة على التأويل ، فلما كان هذا الاحتمال قائما لا جرم نص أن منكر الملائكة ومنكر القيامة كافر بالله .

السؤال الثالث : كيف قيل لأهل الكتب : ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) ، مع أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة والإنجيل بل مؤمنين بهما ؟ .

والجواب عنه من وجهين :

الأول : أنهم كانوا مؤمنين بهما فقط ، وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب ، فأمروا أن يؤمنوا بكل الكتب المنزلة .

الثاني : أن إيمانهم ببعض الكتب دون البعض لا يصح ؛ لأن طريق الإيمان هو المعجزة ، فإذا كانت المعجزة حاصلة في الكل كان ترك الإيمان بالبعض طعنا في المعجزة ، وإذا حصل الطعن في المعجزة امتنع التصديق بشيء منها ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ) [النساء : 150 ] .

السؤال الرابع : لم قال : " نزل على رسوله وأنزل من قبل " ؟ .

والجواب : قال صاحب "الكشاف" : لأن القرآن نزل مفرقا منجما في عشرين سنة ، بخلاف الكتب قبله . وأقول : الكلام في هذا سبق في تفسير قوله تعالى : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ) [آل عمران : 3 ، 4 ] .

السؤال الخامس : قوله : ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) لفظ مفرد ، وأي الكتب هو المراد منه ؟ .

الجواب : أنه اسم جنس فيصلح للعموم .

التالي السابق


الخدمات العلمية