( 
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا   ) 
قوله تعالى : ( 
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا   ) 
وفي الآية مسألتان : 
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : ( لكن ) لا يبتدأ به لأنه استدراك على ما سبق ، وفي ذلك المستدرك قولان : 
الأول : أن هذه الآيات بأسرها جواب عن قوله : ( 
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء   ) [النساء : 153] وهذا الكلام يتضمن أن هذا القرآن ليس كتابا نازلا عليهم من السماء ، فكأنه قيل : إنهم وإن شهدوا بأن القرآن لم ينزل عليه من السماء لكن الله يشهد بأنه نازل عليه من السماء . الثاني : أنه تعالى لما قال : ( 
إنا أوحينا إليك   ) قال القوم : نحن لا نشهد لك بذلك ، فنزل ( 
لكن الله يشهد   ) . 
المسألة الثانية : شهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل عليه هذا القرآن البالغ في الفصاحة في اللفظ والشرف في المعنى إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته ، فكان ذلك معجزا وإظهار المعجزة شهادة بكون المدعي صادقا ، ولما كانت شهادته إنما عرفت بواسطة إنزال القرآن لا جرم قال : ( 
لكن الله يشهد بما أنزل إليك   ) أي : يشهد لك بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله إليك . 
ثم قال تعالى : ( 
أنزله بعلمه   ) وفيه مسألتان . 
المسألة الأولى : أنه تعالى لما قال : ( 
يشهد بما أنزل إليك   ) بين صفة ذلك الإنزال وهو 
أنه تعالى أنزله بعلم تام وحكمة بالغة ، فصار قوله ( 
أنزله بعلمه   ) جاريا مجرى قول القائل : كتبت بالقلم وقطعت بالسكين ، والمراد من قوله : ( 
أنزله بعلمه   ) 
وصف القرآن بغاية الحسن ونهاية الكمال ، وهذا مثل ما يقال في الرجل المشهور بكمال الفضل والعلم إذا صنف كتابا واستقصى في تحريره : إنه إنما صنف هذا بكمال علمه وفضله ، يعني أنه اتخذ جملة علومه آلة ووسيلة إلى تصنيف هذا الكتاب ، فيدل ذلك على وصف ذلك التصنيف بغاية الجودة ونهاية الحسن ، فكذا ههنا والله أعلم .   
[ ص: 89 ] 
المسألة الثانية : قال أصحابنا : دلت الآية على أن لله تعالى علما ، وذلك لأنها تدل على 
إثبات علم الله تعالى ، ولو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال . 
ثم قال : ( 
والملائكة يشهدون   ) وإنما تعرف شهادة الملائكة له بذلك لأن ظهور المعجز على يده يدل على أنه تعالى شهد له بالنبوة ، وإذا شهد الله له بذلك فقد شهدت الملائكة لا محالة بذلك لما ثبت في القرآن أنهم لا يسبقونه بالقول ، والمقصود كأنه قيل : يا 
محمد  إن كذبك هؤلاء 
اليهود  فلا تبال بهم فإن الله تعالى وهو إله العالمين يصدقك في ذلك ، وملائكة السماوات السبع يصدقونك في ذلك ، 
ومن صدقه رب العالمين وملائكة العرش والكرسي والسموات السبع أجمعون لم يلتفت إلى تكذيب أخس الناس ، وهم هؤلاء 
اليهود    . 
ثم قال تعالى : ( 
وكفى بالله شهيدا   ) والمعنى : وكفى الله شهيدا ، وقد سبق الكلام في مثل هذا .