( 
يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام  ) 
قوله تعالى : ( 
ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام   ) . 
اعلم أنه تعالى : لما حرم الصيد على المحرم في الآية الأولى أكد ذلك بالنهي في هذه الآية عن مخالفة تكاليف الله تعالى فقال : 
  ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله   )   . 
واعلم أن 
الشعائر جمع ، والأكثرون على أنها جمع شعيرة   . وقال 
ابن فارس    : واحدها شعارة ، والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة ، والمشعرة المعلمة ، والأشعار الأعلام ، وكل شيء أشعر فقد أعلم ، وكل شيء جعل علما على شيء أو علم بعلامة جاز أن يسمى شعيرة ، فالهدي الذي يهدى إلى 
مكة  يسمى شعائر لأنها معلمة بعلامات دالة على كونها هديا . واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله ، وفيه قولان : 
الأول : 
قوله : ( لا تحلوا شعائر الله   ) أي : لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم ، وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين ، ويقرب منه قول 
الحسن    : شعائر الله دين الله   . 
والثاني : أن المراد منه شيء خاص من التكاليف ، وعلى هذا القول فذكروا وجوها : 
الأول : المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد . 
والثاني : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : إن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون المشاعر وينحرون ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فأنزل الله تعالى : ( 
لا تحلوا شعائر الله   )   . 
الثالث : قال 
الفراء    : كانت عامة العرب لا يرون 
الصفا  والمروة  من شعائر الحج ولا يطوفون بهما ، فأنزل الله تعالى : لا تستحلوا ترك شيء من مناسك الحج وأتوا بجميعها على سبيل الكمال والتمام . 
الرابع : قال بعضهم : الشعائر هي الهدايا تطعن في أسنامها وتقلد ليعلم أنها هدي ، وهو قول 
أبي عبيدة  ، قال : ويدل عليه قوله تعالى : ( 
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله   ) [الحج : 36] وهذا عندي ضعيف لأنه تعالى ذكر شعائر الله ثم عطف عليها الهدي ، والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه . 
ثم قال تعالى : ( 
ولا الشهر الحرام   ) أي : لا تحلوا الشهر الحرام بالقتال فيه . 
واعلم أن 
الشهر الحرام هو الشهر الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال فيه ، قال تعالى : ( 
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم   ) [التوبة : 36] فقيل : هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، فقوله : ( 
ولا الشهر الحرام   ) يجوز أن يكون إشارة إلى   
[ ص: 102 ] جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس ، ويجوز أن يكون المراد هو رجب لأنه أكمل الأشهر الأربعة في هذه الصفة . 
ثم قال تعالى : ( 
ولا الهدي   ) قال 
الواحدي    : 
الهدي ما أهدي إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة ، واحدها هدية بتسكين الدال ، ويقال أيضا هدية ، وجمعها هدي . قال الشاعر : 
حلفت برب مكة والمصلى وأعناق الهدي مقلدات 
ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( 
هديا بالغ الكعبة   ) [المائدة : 95] وقوله : ( 
والهدي معكوفا أن يبلغ محله   ) [الفتح : 25] . 
ثم قال تعالى : ( 
ولا القلائد   ) 
والقلائد جمع قلادة وهي التي تشد على عنق البعير وغيره وهي مشهورة . وفي التفسير وجوه : 
الأول : المراد منه الهدي ذوات القلائد ، وعطفت على الهدي مبالغة في التوصية بها لأنها أشرف الهدي كقوله ( 
وجبريل وميكال   ) [البقرة : 98] كأنه قيل : والقلائد منها خصوصا . 
الثاني : أنه نهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي على معنى : ولا تحلوا قلائدها فضلا عن أن تحلوها ، كما قال ( 
ولا يبدين زينتهن   ) [النور : 31] فنهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواضعها . 
الثالث : قال بعضهم : كانت العرب في الجاهلية مواظبين على المحاربة إلا في الأشهر الحرم ، فمن وجد في غير هذه الأشهر الحرم أصيب منه ، إلا أن يكون مشعرا بدنة أو بقرة من لحاء شجر 
الحرم  ، أو محرما بعمرة إلى البيت ، فحينئذ لا يتعرض له ، فأمر الله المسلمين بتقرير هذا المعنى . 
ثم قال : ( 
ولا آمين البيت الحرام   ) أي : قوما قاصدين 
المسجد الحرام  ، وقرأ 
عبد الله    : ( ولا آمي البيت الحرام ) على الإضافة .