1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة المائدة
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
صفحة جزء
المسألة السادسة : قال الشافعي - رحمه الله - : الترتيب شرط لصحة الوضوء ، وقال مالك وأبو حنيفة - رحمهما الله - : ليس كذلك ، احتج الشافعي - رحمه الله - بهذه الآية على قوله من وجوه :

الأول : أن قوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) يقتضي وجوب الابتداء بغسل الوجه لأن الفاء للتعقيب ، وإذا وجب الترتيب في هذا العضو وجب في غيره لأنه لا قائل بالفرق .

فإن قالوا : فاء التعقيب إنما دخلت في جملة هذه الأعمال فجرى الكلام مجرى أن يقال : إذا قمتم إلى الصلاة فأتوا بمجموع هذه الأفعال .

قلنا : فاء التعقيب إنما دخلت على الوجه لأن هذه الفاء ملتصقة بذكر الوجه ، ثم إن هذه الفاء بواسطة دخولها على الوجه دخلت على سائر الأعمال ، وعلى هذا دخول الفاء في غسل الوجه أصل ، ودخولها على مجموع هذه الأفعال تبع لدخولها على غسل الوجه ، ولا منافاة بين إيجاب تقديم غسل الوجه وبين إيجاب مجموع هذه الأفعال ، فنحن اعتبرنا دلالة هذه الفاء في الأصل والتبع ، وأنتم ألغيتموها في الأصل واعتبرتموها في التبع ، فكان قولنا أولى .

والوجه الثاني : أن نقول : وقعت البداءة في الذكر بالوجه ، فوجب أن تقع البداءة به في العمل لقوله : [ ص: 122 ] ( فاستقم كما أمرت ) [هود : 112] ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ابدءوا بما بدأ الله به " وهذا الخبر وإن ورد في قصة الصفا والمروة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، أقصى ما في الباب أنه مخصوص في بعض الصور لكن العام حجة في غير محل التخصيص .

والثالث : أنه تعالى ذكر هذه الأعضاء لا على وفق الترتيب المعتبر في الحس ، ولا على وفق الترتيب المعتبر في الشرع ، وذلك يدل على أن الترتيب واجب .

بيان المقدمة الأولى أن الترتيب المعتبر في الحس أن يبدأ من الرأس نازلا إلى القدم ، أو من القدم صاعدا إلى الرأس ، والترتيب المذكور في الآية ليس كذلك ، وأما الترتيب المعتبر في الشرع فهو أن يجمع بين الأعضاء المغسولة ، ويفرد الممسوحة عنها ، والآية ليست كذلك ، فإنه تعالى أدرج الممسوح في أثناء المغسولات .

إذا ثبت هذا فنقول : هذا يدل على أن الترتيب واجب ، والدليل عليه أن إهمال الترتيب في الكلام مستقبح ، فوجب تنزيه كلام الله تعالى عنه ، ترك العمل به فيما إذا صار ذلك محتملا للتنبيه على أن ذلك الترتيب واجب ، فيبقى في غير هذه الصورة على وفق الأصل .

الرابع : أن إيجاب الوضوء غير معقول المعنى ، وذلك يقتضي وجوب الإتيان به على الوجه الذي ورد في النص .

بيان المقام الأول من وجوه :

أحدها : أن الحدث يخرج من موضع والغسل يجب من موضع آخر وهو خلاف المعقول .

وثانيها : أن أعضاء المحدث طاهرة لقوله تعالى : ( إنما المشركون نجس ) [التوبة : 28] وكلمة إنما للحصر ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " وتطهير الطاهر محال .

وثالثها : أن الشرع أقام التيمم مقام الوضوء ، ولا شك أنه ضد النظافة والوضاءة .

ورابعها : أن الشرع أقام المسح على الخفين مقام الغسل ، ومعلوم أنه لا يفيد البتة في نفس العضو نظافة .

وخامسها : أن الماء الكدر العفن يفيد الطهارة ، وماء الورد لا يفيدها ، فثبت بهذا أن الوضوء غير معقول المعنى ، وإذا ثبت هذا وجب الاعتماد فيه على مورد النص ، لاحتمال أن يكون الترتيب المذكور معتبرا إما لمحض التعبد أو لحكم خفية لا نعرفها ، فلهذا السبب أوجبنا رعاية الترتيب المعتبر المذكور في أركان الصلاة ، بل ههنا أولى ، لأنه تعالى لما ذكر أركان الصلاة في كتابه مرتبة وذكر أعضاء الوضوء في هذه الآية مرتبة فلما وجب الترتيب هناك فههنا أولى .

واحتج أبو حنيفة - رحمه الله - بهذه الآية على قوله فقال : الواو لا توجب الترتيب ، فكانت الآية خالية عن إيجاب الترتيب ، فلو قلنا بوجوب الترتيب كان ذلك زيادة على النص ، وهو نسخ وهو غير جائز .

وجوابنا : أنا بينا دلالة الآية على وجوب الترتيب من جهات أخر غير التمسك بأن الواو توجب الترتيب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية