1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة المائدة
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
صفحة جزء
المسألة الأربعون : أثبت جمهور الفقهاء جواز المسح على الخفين . وأطبقت الشيعة والخوارج على إنكاره ، واحتجوا بأن ظاهر قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) يقتضي إما غسل الرجلين أو مسحهما ، والمسح على الخفين ليس مسحا للرجلين ولا غسلا لهما ، فوجب أن لا يجوز بحكم نص هذه الآية ، ثم قالوا : إن القائلين بجواز المسح على الخفين إنما يعولون على الخبر ، لكن الرجوع إلى القرآن أولى من الرجوع إلى هذا الخبر ، ويدل عليه وجوه :

الأول : أن نسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز .

والثاني : أن هذه الآية في سورة المائدة ، وأجمع المفسرون على أن هذه السورة لا منسوخ فيها البتة إلا قوله [ ص: 129 ] تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) فإن بعضهم قال : هذه الآية منسوخة ، وإذا كان كذلك امتنع القول بأن وجوب غسل الرجلين منسوخ .

والثالث : أن خبر المسح على الخفين بتقدير أنه كان متقدما على نزول الآية كان خبر الواحد منسوخا بالقرآن ، ولو كان بالعكس كان خبر الواحد ناسخا للقرآن ، ولا شك أن الأول أولى لوجوه :

الأول : أن ترجيح القرآن المتواتر على خبر الواحد أولى من العكس .

وثانيها : أن العمل بالآية أقرب إلى الاحتياط .

وثالثها : أنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه " وذلك يقتضي تقديم القرآن على الخبر .

ورابعها : أن قصة معاذ تقتضي تقديم القرآن على الخبر .

الوجه الرابع في بيان ضعف هذا الخبر : أن العلماء اختلفوا فيه ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لأن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين ، وأما مالك فإحدى الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح على الخفين ، ولا نزاع أنه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة ، فلولا أنه عرف فيه ضعفا وإلا لما قال ذلك ، والرواية الثانية عن مالك أنه ما أباح المسح على الخفين للمقيم ، وأباحه للمسافر مهما شاء من غير تقدير فيه .

وأما الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء فإنهم جوزوه للمسافر ثلاثة أيام بلياليها من وقت الحدث بعد اللبس . وقال الحسن البصري : ابتداؤه من وقت لبس الخفين ، وقال الأوزاعي وأحمد : يعتبر وقت المسح بعد الحدث : قالوا : فهذا الاختلاف الشديد بين الفقهاء يدل على أن الخبر ما بلغ مبلغ الظهور والشهرة ، وإذا كان كذلك وجب القول بأن هذه الأقوال لما تعارضت تساقطت ، وعند ذلك يجب الرجوع إلى ظاهر كتاب الله تعالى .

الخامس : أن الحاجة إلى معرفة جواز المسح على الخفين حاجة عامة في حق كل المكلفين ، فلو كان ذلك مشروعا لعرفه الكل ، ولبلغ مبلغ التواتر ، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر ضعفه ، فهذا جملة كلام من أنكر المسح على الخفين .

وأما الفقهاء فقالوا : ظهر عن بعض الصحابة القول به ولم يظهر من الباقين إنكار ، فكان ذلك إجماعا من الصحابة ، فهذا أقوى ما يقال فيه .

وقال الحسن البصري : حدثني سبعون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين ، وأما إنكار ابن عباس رضي الله عنهما فروي أن عكرمة روى ذلك عنه ، فلما سئل ابن عباس عنه فقال : كذب علي . وقال عطاء : كان ابن عمر يخالف الناس في المسح على الخفين لكنه لم يمت حتى وافقهم ، وأما عائشة رضي الله عنها فروي أن شريح بن هانئ قال : سألتها عن مسح الخفين فقالت : اذهب إلى علي فاسأله فإنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أسفاره ، قال : فسألته فقال امسح ، وهذا يدل على أن عائشة تركت ذلك الإنكار .

التالي السابق


الخدمات العلمية