( 
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير   ) 
قوله تعالى : ( 
ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في قوله ( 
يبين لكم   ) وجهان : 
الأول : أن يقدر المبين ، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان : 
أحدهما : أن يكون ذلك المبين هو الدين والشرائع ، وإنما حسن حذفه لأن كل أحد يعلم أن 
الرسول إنما أرسل لبيان الشرائع   . 
وثانيها : أن يكون التقدير يبين لكم ما كنتم تخفون ، وإنما حسن حذفه لتقدم ذكره . 
الوجه الثاني : أن لا يقدر المبين ويكون المعنى يبين لكم البيان ، وحذف المفعول أكمل ؛ لأن على هذا التقدير يصير أعم فائدة . 
المسألة الثانية : قوله ( 
يبين لكم   ) في محل النصب على الحال ، أي مبينا لكم . 
المسألة الثالثة : قوله : ( 
على فترة من الرسل   ) قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : يريد على انقطاع من الأنبياء ، يقال : فتر الشيء يفتر فتورا إذا سكنت حدته وصار أقل مما كان عليه ، وسميت المدة التي بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي في العمل بتلك الشرائع . 
واعلم أن قوله : ( 
على فترة   ) متعلق بقوله ( جاءكم ) أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل . قيل : 
كان بين عيسى  ومحمد  عليهما السلام ستمائة سنة أو أقل أو أكثر . وعن 
الكلبي  كان بين 
موسى  وعيسى   [ ص: 154 ] عليهما السلام ألف وسبعمائة سنة ، وألفا نبي ، وبين 
عيسى  ومحمد  عليهما السلام أربعة من الأنبياء : ثلاثة من 
بني إسرائيل  ، وواحد من العرب وهو 
خالد بن سنان العبسي    . 
المسألة الرابعة : 
الفائدة في بعثة محمد  عليه الصلاة والسلام عند فترة من الرسل هي أن التغيير والتحريف قد تطرق إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها ، وبسبب ذلك اختلط الحق بالباطل والصدق بالكذب ، وصار ذلك عذرا ظاهرا في إعراض الخلق عن العبادات ؛ لأن لهم أن يقولوا : يا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادتك ولكنا ما عرفنا كيف نعبد ، فبعث الله تعالى في هذا الوقت 
محمدا  عليه الصلاة والسلام إزالة لهذا العذر ، وهو ( 
أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير   ) يعني إنما بعثنا إليكم الرسول في وقت الفترة كراهة أن تقولوا : ما جاءنا في هذا الوقت من بشير ولا نذير . 
ثم قال تعالى : ( 
فقد جاءكم بشير ونذير   ) فزالت هذه العلة وارتفع هذا العذر . 
ثم قال : ( 
والله على كل شيء قدير   ) والمعنى أن حصول الفترة يوجب احتياج الخلق إلى بعثة الرسل ، والله تعالى قادر على كل شيء ، فكان قادرا على البعثة ، ولما كان الخلق محتاجين إلى البعثة ، والرحيم الكريم قادرا على البعثة وجب في كرمه ورحمته أن يبعث الرسل إليهم ، فالمراد بقوله : ( 
والله على كل شيء قدير   ) الإشارة إلى الدلالة التي قررناها .