( 
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين   ) ثم قال تعالى : ( 
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين   ) 
وفيه سؤالان : 
الأول : 
كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى   ) ، ( فاطر : 18 ) . 
والجواب من وجهين : 
الأول : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما 
 nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  والحسن  وقتادة  رضي الله عنهم : معناه تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي ، وهذا بحذف المضاف . 
والثاني : قال 
الزجاج    : معناه ترجع إلى الله ، فلم قال : ( 
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   ) . 
والجواب من وجوه : 
الأول : قد ذكرنا أن هذا الكلام إنما دار بينهما عندما غلب على ظن المقتول أنه   
[ ص: 164 ] يريد قتله ، وكان ذلك قبل إقدام القاتل على إيقاع القتل به ، وكأنه لما وعظه ونصحه قال له : وإن كنت لا تنزجر عن هذه الكبيرة بسبب هذه النصيحة فلا بد وأن تترصد قتلي في وقت أكون غافلا عنك وعاجزا عن دفعك ، فحينئذ لا يمكنني أن أدفعك عن قتلي إلا إذا قتلتك ابتداء بمجرد الظن والحسبان ، وهذا مني كبيرة ومعصية ، وإذا دار الأمر بين أن يكون فاعل هذه المعصية أنا وبين أن يكون أنت ، فأنا أحب أن تحصل هذه الكبيرة لك لا لي ، ومن المعلوم أن إرادة صدور الذنب من الغير في هذه الحالة وعلى هذا الشرط لا يكون حراما ، بل هو عين الطاعة ومحض الإخلاص . 
والوجه الثاني في الجواب : أن المراد : إني أريد أن تبوء بعقوبة قتلي ، ولا شك أنه يجوز للمظلوم أن يريد من الله عقاب ظالمه . 
والثالث : روي أن الظالم إذا لم يجد يوم القيامة ما يرضي خصمه أخذ من سيئات المظلوم وحمل على الظالم ، فعلى هذا يجوز أن يقال : إني أريد أن تبوء بإثمي في أنه يحمل عليك يوم القيامة إذا لم تجد ما يرضيني ، وبإثمك في قتلك إياي ، وهذا يصلح جوابا عن السؤال الأول والله أعلم . 
ثم قال تعالى : ( 
فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين   ) 
ثم قال المفسرون : سهلت له نفسه قتل أخيه . ومنهم من قال شجعته ، وتحقيق الكلام أن الإنسان إذا تصور من القتل العمد العدوان كونه من أعظم الكبائر ، فهذا الاعتقاد يصير صارفا له عن فعله ، فيكون هذا الفعل كالشيء العاصي المتمرد عليه الذي لا يطيعه بوجه البتة ، فإذا أوردت النفس أنواع وساوسها صار هذا الفعل سهلا عليه ، فكأن النفس جعلت بوساوسها العجيبة هذا الفعل كالمطيع له بعد أن كان كالعاصي المتمرد عليه . فهذا هو 
المراد بقوله : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه   ) قالت 
المعتزلة    : لو كان خالق الكل هو الله تعالى لكان ذلك التزيين والتطويع مضافا إلى الله تعالى لا إلى النفس . 
وجوابه : أنه لما أسندت الأفعال إلى الدواعي ، وكان فاعل تلك الدواعي هو الله تعالى فكان 
فاعل الأفعال كلها هو الله تعالى   . 
ثم قال تعالى : ( فقتله ) قيل : لم يدر 
قابيل  كيف يقتل 
هابيل  ، فظهر له إبليس وأخذ طيرا وضرب رأسه بحجر ، فتعلم 
قابيل  ذلك منه ، ثم إنه وجد 
هابيل  نائما يوما فضرب رأسه بحجر فمات . وعن 
عبد الله  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012546لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم  الأول كفل من دمها وذلك أنه أول من سن القتل   " . 
ثم قال تعالى : 
  ( فأصبح من الخاسرين   ) قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : خسر دنياه وآخرته ، أما الدنيا فهو أنه أسخط والديه وبقي مذموما إلى يوم القيامة ، وأما الآخرة فهو العقاب العظيم . قيل : إن 
قابيل  لما قتل أخاه هرب إلى 
عدن  من أرض 
اليمن  ، فأتاه إبليس وقال : إنما أكلت النار قربان 
هابيل  ؛ لأنه كان يخدم النار ويعبدها ، فإن عبدت النار أيضا حصل مقصودك ، فبنى بيت نار وهو أول من عبد النار . وروي أن 
هابيل  قتل وهو ابن عشرين سنة ، وكان قتله عند عقبة حراء ، وقيل 
بالبصرة  في موضع 
المسجد الأعظم  ، وروي أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض ، فسأله 
آدم  عن أخيه ، فقال ما كنت عليه وكيلا ، فقال بل قتلته ، ولذلك اسود جسدك ، ومكث 
آدم  بعده مائة سنة لم يضحك قط . قال صاحب "الكشاف" يروى أنه رثاه بشعر . قال وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا منحول ملحون ، 
والأنبياء معصومون عن الشعر ، وصدق صاحب "الكشاف" فيما قال . فإن ذلك الشعر في غاية الركاكة لا يليق بالحمقى من المعلمين ، فكيف ينسب إلى من جعل الله علمه حجة على الملائكة .