صفحة جزء
( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) .

النوع الثاني من الأحكام المذكورة في هذا الموضع قوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) .

قد ذكرنا أنه تعالى بين في هذا الموضع أنواعا من الشرائع والأحكام . بقي أن يقال : أي مناسبة بين هذا الحكم وبين ما قبله حتى يحسن ذكره عقيبه ؟ فنقول : قد ذكرنا أن سبب نزول الآية الأولى أن قوما من الصحابة حرموا على أنفسهم المطاعم والملابس واختاروا الرهبانية وحلفوا على ذلك ، فلما نهاهم الله تعالى عنها قالوا : يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا ؟ فأنزل الله هذه الآية .

[ ص: 62 ] واعلم أن الكلام في يمين اللغو ما هو ، قد سبق على الاستقصاء في سورة البقرة في تفسير قوله : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) فلا وجه للإعادة .

ثم قال تعالى : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم ( عقدتم ) بتشديد القاف بغير ألف ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( عقدتم ) بتخفيف القاف بغير ألف ، وقرأ ابن عامر : (عاقدتم) بالألف والتخفيف . قال الواحدي : يقال : عقد فلان اليمين والعهد والحبل عقدا : إذا وكده وأحكمه ، ومثل ذلك أيضا : عقد ، بالتشديد : إذا وكد ، ومثله أيضا عاقد ، بالألف .

إذا عرفت هذا فنقول : أما من قرأ بالتخفيف فإنه صالح للقليل والكثير ، يقال : عقد زيد يمينه ، وعقدوا أيمانهم ، وأما من قرأ بالتشديد فاعلم أن أبا عبيدة زيف هذه القراءة وقال : التشديد للتكرير مرة بعد مرة ، فالقراءة بالتشديد توجب سقوط الكفارة عن اليمين الواحدة لأنها لم تتكرر .

وأجاب الواحدي رحمه الله عنه من وجهين :

الأول : أن بعضهم قال : (عقد) بالتخفيف والتشديد واحد في المعنى .

الثاني : هب أنها تفيد التكرير كما في قوله : ( وغلقت الأبواب ) [ يوسف : 23 ] إلا أن هذا التكرير يحصل بأن يعقدها بقلبه ولسانه ، ومتى جمع بين القلب واللسان فقد حصل التكرير ، أما لو عقد اليمين بأحدهما دون الآخر لم يكن معقدا . وأما من قرأ بالألف فإنه من المفاعلة التي تختص بالواحد مثل عافاه الله وطارقت النعل وعاقبت اللص ، فتكون هذه القراءة كقراءة من خفف .

المسألة الثانية : ( ما ) مع الفعل بمنزلة المصدر ، والتقدير : ولكن يؤاخذكم بعقدكم أو بتعقيدكم أو بمعاقدتكم الأيمان .

المسألة الثالثة : في الآية محذوف ، والتقدير : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم ، فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوما عندهم ، أو بنكث ما عقدتم ، فحذف المضاف . وأما كيفية استدلال الشافعي بهذه الآية على أن اليمين الغموس توجب الكفارة فقد ذكرناها في سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية