1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة المائدة
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
صفحة جزء
( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .

قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .

اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع ، ووجه اتصاله بما قبله أنه تعالى قال فيما تقدم : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) إلى قوله : ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ) ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر ، لا جرم أنه تعالى بين أنهما غير داخلين في المحللات ، بل في المحرمات .

واعلم أنا قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله : ( وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ) فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع .

وفي اشتقاق لفظ الخمر وجهان :

الأول : سميت الخمر خمرا لأنها خامرت العقل ، أي خالطته فسترته .

والثاني : قال ابن الأعرابي : تركت فاختمرت ، أي تغير ريحها ، والميسر هو قمارهم في الجزور ، والأنصاب هي آلهتهم التي نصبوها يعبدونها ، والأزلام سهام مكتوب عليها خير وشر .

واعلم أنه تعالى وصف هذه الأقسام الأربعة بوصفين ، الأول : قوله : ( رجس ) والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل ، يقال : رجس الرجل رجسا ورجس يرجس : إذا عمل عملا قبيحا ، وأصله من الرجس بفتح الراء ، [ ص: 67 ] وهو شدة الصوت ، يقال : سحاب رجاس : إذا كان شديد الصوت بالرعد ، فكان الرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح .

الوصف الثاني : قوله : ( من عمل الشيطان ) وهذا أيضا مكمل لكونه رجسا لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر ، والكافر نجس لقوله : ( إنما المشركون نجس ) [التوبة : 28] والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث ; لقوله : ( الخبيثات للخبيثين ) [النور : 26] وأيضا كل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد من تلك الإضافة المبالغة في كمال قبحه . قال تعالى : ( فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان ) [القصص : 15] ثم إنه تعالى لما وصف هذه الأربعة بهذين الوصفين قال : ( فاجتنبوه ) أي كونوا جانبا منه ، والهاء عائدة إلى ماذا ؟ فيه وجهان :

الأول : أنها عائدة إلى الرجس ، والرجس واقع على الأربعة المذكورة ، فكان الأمر بالاجتناب متناولا للكل .

الثاني : أنها عائدة إلى المضاف المحذوف ، كأنه قيل : إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك ، ولذلك قال : ( رجس من عمل الشيطان ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية