صفحة جزء
[ ص: 135 ] ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون )

اعلم أن بعض الأقوام الذين كانوا يقولون إن رسول الله يجب أن يكون ملكا من الملائكة كانوا يقولون هذا الكلام على سبيل الاستهزاء ، وكان يضيق قلب الرسول عند سماعه فذكر ذلك ليصير سببا للتخفيف عن القلب لأن أحد ما يخفف عن القلب المشاركة في سبب المحنة والغم . فكأنه قيل له : إن هذه الأنواع الكثيرة من سوء الأدب التي يعاملونك بها قد كانت موجودة في سائر القرون مع أنبيائهم ، فلست أنت فريدا في هذا الطريق .

وقوله : ( فحاق بالذين سخروا منهم ) الآية ونظيره قوله : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) [ فاطر : 43 ] وفي تفسيره وجوه كثيرة لأهل اللغة وهي بأسرها متقاربة :

قال النضر : وجب عليهم .

قال الليث : " الحيق " ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء يعمله فنزل ذلك به ، يقول أحاق الله بهم مكرهم وحاق بهم مكرهم .

وقال الفراء : " حاق بهم " عائد عليهم .

وقيل : " حاق بهم " حل بهم ذلك .

وقال الزجاج : " حاق " أي أحاط .

قال الأزهري : فسر الزجاج " حاق " بمعنى أحاط وكان مأخذه من الحوق وهو ما استدار بالكمرة .

وفي الآية بحث آخر وهو أن لفظة " ما " في قوله : ( ما كانوا به ) فيها قولان :

الأول : أن المراد به القرآن والشرع وهو ما جاء به محمد عليه السلام . وعلى هذا التقدير فتصير هذه الآية من باب حذف المضاف ، والتقدير فحاق بهم عقاب ما كانوا به يستهزءون .

والقول الثاني : أن المراد به أنهم كانوا يستهزءون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله ، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى هذا الإضمار .

التالي السابق


الخدمات العلمية