صفحة جزء
المسألة الثالثة : أنه تعالى قال : ( ومنهم من يستمع إليك ) فذكره بصيغة الإفراد ثم قال : ( على قلوبهم ) فذكره بصيغة الجمع . وإنما حسن ذلك لأن صيغة " من " واحد في اللفظ جمع في المعنى .

وأما قوله تعالى : ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) قال ابن عباس : وإن يروا كل دليل وحجة لا يؤمنوا بها لأجل أن الله تعالى جعل على قلوبهم أكنة ، وهذه الآية تدل على فساد التأويل الأول الذي نقلناه عن الجبائي ، ولأنه لو كان المراد من قوله تعالى : ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) إلقاء النوم على قلوب الكفار لئلا يمكنهم التوسل بسماع صوته على وجدان مكانه لما كان قوله : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم ) لائقا بهذا الكلام ، وأيضا لو كان المراد ما ذكره الجبائي لكان يجب أن يقال : وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يسمعوه ، لأن المقصود الذي ذكره الجبائي إنما يحصل بالمنع من سماع صوت الرسول عليه السلام ، أما المنع من نفس كلامه ومن فهم مقصوده ، فلا تعلق له بما ذكره الجبائي فظهر سقوط قوله . والله أعلم .

أما قوله تعالى : ( حتى إذا جاءوك يجادلونك ) فاعلم أن هذا الكلام جملة أخرى مرتبة على ما قبلها و " حتى " في هذا الموضع هي التي يقع بعدها الجمل ، والجملة هي قوله : ( إذا جاءوك يجادلونك ) يقول الذين كفروا ويجادلونك في موضع الحال ، وقوله : ( يقول الذين كفروا ) تفسير لقوله : ( يجادلونك ) والمعنى أنه بلغ بتكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك ، وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون : ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) قال الواحدي : وأصل الأساطير من السطر ، وهو أن يجعل شيئا ممتدا مؤلفا ومنه سطر الكتاب وسطر من شجر مغروس . قال ابن السكيت : يقال سطر وسطر ، فمن قال : سطر فجمعه في القليل أسطر والكثير سطور ، ومن قال : سطر فجمعه أسطار ، والأساطير جمع الجمع ، وقال الجبائي : واحد الأساطير أسطور وأسطورة وأسطير وأسطيرة ، وقال الزجاج : واحد الأساطير أسطورة مثل أحاديث وأحدوثة . وقال أبو زيد : الأساطير من الجمع الذي لا واحد له مثل عباديد . ثم قال الجمهور : أساطير الأولين ما سطره الأولون . قال ابن عباس : معناه أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها أي يكتبونها . فأما قول من فسر الأساطير بالترهات ، فهو معنى وليس مفسرا . ولما كانت أساطير الأولين مثل حديث رستم واسفنديار كلاما لا فائدة فيه لا جرم فسرت أساطير الأولين بالترهات .

التالي السابق


الخدمات العلمية