ثم قال تعالى : ( 
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه   ) والمعنى أنه تعالى لو ردهم لم يحصل منهم ترك التكذيب وفعل الإيمان ، بل كانوا يستمرون على طريقتهم الأولى في الكفر والتكذيب . 
فإن قيل : إن أهل القيامة قد عرفوا الله بالضرورة ، وشاهدوا أنواع العقاب والعذاب فلو ردهم الله تعالى إلى الدنيا فمع هذه الأحوال كيف يمكن أن يقال : إنهم يعودون إلى الكفر بالله وإلى معصية الله . 
قلنا : قال القاضي : تقرير الآية : ( 
ولو ردوا   ) إلى حالة التكليف ، وإنما يحصل الرد إلى هذه الحالة لو لم يحصل في القيامة معرفة الله بالضرورة ولم يحصل هناك مشاهدة الأهوال وعذاب جهنم ، فهذا الشرط يكون مضمرا لا محالة في الآية إلا أنا نقول هذا الجواب ضعيف ؛ لأن المقصود من الآية بيان غلوهم في 
الإصرار على الكفر وعدم الرغبة في الإيمان ، ولو قدرنا عدم معرفة الله تعالى في القيامة ، وعدم مشاهدة أهوال القيامة لم يكن في إصرار القوم على كفرهم الأول مزيد تعجب ، لأن إصرارهم على الكفر يجري مجرى إصرار سائر الكفار على الكفر في الدنيا ، فعلمنا أن الشرط الذي ذكره القاضي لا يمكن اعتباره البتة . 
إذا عرفت هذا فنقول : قال 
الواحدي    : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فساد قول 
المعتزلة  ، وذلك لأن 
الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك ، وذلك القضاء السابق فيهم ، وإلا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد ، ثم قال تعالى : ( 
وإنهم لكاذبون   ) وفيه سؤال وهو أن يقال : إنه لم يتقدم ذكر خبر حتى يصرف هذا التكذيب إليه .  
[ ص: 161 ] والجواب : أنا بينا أن منهم من قال : الداخل في التمني هو مجرد قوله : ( 
ياليتنا نرد   ) أما الباقي فهو إخبار ، ومنهم من قال : بل الكل داخل في التمني ، لأن 
إدخال التكذيب في التمني أيضا جائز ، لأن التمني يدل على الإخبار على سبيل الضمن والصيرورة ، كقول القائل ليت زيدا جاءنا فكنا نأكل ونشرب ونتحدث فكذا ههنا . والله أعلم .