صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم )

قوله تعالى : ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم )

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : اختلفوا في قوله : ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ) فقال بعضهم : هو على إطلاقه في كل من هذه صفته .

وقال آخرون : بل نزل في أهل الصفة الذين سأل المشركون الرسول - عليه السلام - طردهم وإبعادهم ، فأكرمهم الله بهذا الإكرام ؛ وذلك لأنه تعالى نهى الرسول - عليه السلام - أولا عن طردهم ، ثم أمره بأن يكرمهم بهذا النوع من الإكرام .

قال عكرمة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رآهم بدأهم بالسلام ويقول : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأه بالسلام وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن عمر لما اعتذر من مقالته واستغفر الله منها . وقال للرسول - عليه السلام - ، ما أردت بذلك إلا الخير . نزلت هذه الآية .

وقال بعضهم : بل نزلت في قوم أقدموا على ذنوب ، ثم جاءوه - صلى الله عليه وسلم - مظهرين للندامة والأسف ، فنزلت هذه الآية فيهم ، والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها ، فكل من آمن بالله دخل تحت هذا التشريف .

ولي ههنا إشكال ، وهو أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات هذه السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه ؟

المسألة الثانية : قوله : ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ) مشتمل على أسرار عالية ، وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى ، وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه ، وآيات وحدانيته ، وما سوى الله فلا نهاية له ، وما لا نهاية له فلا سبيل للعقل في الوقوف عليه على التفصيل التام ، إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ، ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ، ثم إنه يكون مدة حياته كالسائح في تلك القفار ، وكالسابح في تلك البحار . ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات ، وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله . ثم إن العبد إذا صار موصوفا بهذه الصفة [ ص: 4 ] فعند هذا أمر الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول لهم : ( سلام عليكم ) فيكون هذا التسليم بشارة لحصول السلامة .

وقوله : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) بشارة لحصول الرحمة عقيب تلك السلامة . أما السلامة فبالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخالفات وموضع التغييرات والتبديلات ، وأما الكرامات فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات المقدسات ، والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال .

المسألة الثالثة : ذكر الزجاج عن المبرد أن السلامة في اللغة أربعة أشياء ، فمنها سلمت سلاما وهو معنى الدعاء ، ومنها أنه اسم من أسماء الله تعالى ، ومنها الإسلام ، ومنها اسم للشجر العظيم ، أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات ، وهو أيضا اسم للحجارة الصلبة ، وذلك أيضا لسلامتها من الرخاوة . ثم قال الزجاج : قوله : ( سلام عليكم ) السلام ههنا يحتمل تأويلين :

أحدهما : أن يكون مصدر سلمت تسليما وسلاما مثل السراح من التسريح ، ومعنى سلمت عليه سلاما ، دعوت له بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه ؛ فالسلام بمعنى التسليم .

والثاني : أن يكون السلام جمع السلامة ، فمعنى قولك : السلام عليكم ، السلامة عليكم . وقال أبو بكر بن الأنباري : قال قوم السلام هو الله تعالى ، فمعنى " السلام عليكم " يعني : الله عليكم أي على حفظكم وهذا بعيد في هذه الآية لتنكير السلام في قوله : ( فقل سلام عليكم ) ولو كان معرفا لصح هذا الوجه . وأقول كتبت فصولا مشبعة كاملة في قولنا سلام عليكم وكتبتها في سورة التوبة ، وهي أجنبية عن هذا الموضع فإذا نقلته إلى هذا الموضع كمل البحث والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية