ثم قال : ( 
وهو الحكيم الخبير   ) والمراد من كونه حكيما أن يكون مصيبا في أفعاله ، ومن كونه خبيرا ، كونه عالما بحقائقها من غير اشتباه ومن غير التباس . والله أعلم . 
المسألة الثانية : قد ذكرنا في كثير من هذا الكتاب أنه ليس المراد بقوله : ( 
كن فيكون   ) خطابا وأمرا ؛ لأن ذلك الأمر إن كان للمعدوم فهو محال ، وإن كان للموجود فهو أمر بأن يصير الموجود موجودا وهو محال ، بل المراد منه التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات وإيجاد الموجودات . 
المسألة الثالثة : قوله : ( 
يوم ينفخ في الصور   ) ولا شبهة أن المراد منه يوم الحشر ، ولا شبهة عند أهل الإسلام أن 
الله سبحانه خلق قرنا ينفخ فيه ملك من الملائكة ، وذلك القرن يسمى بالصور على ما ذكر الله تعالى هذا المعنى في مواضع من الكتاب الكريم ، ولكنهم اختلفوا في 
المراد بالصور في هذه الآية على قولين : 
القول الأول : أن المراد منه ذلك القرن الذي ينفخ فيه وصفته مذكورة في سائر السور . 
والقول الثاني : إن الصور جمع صورة والنفخ في الصور عبارة عن النفخ في صور الموتى ، وقال 
أبو عبيدة    : الصور جمع صورة مثل صوف وصوفة . قال 
الواحدي    - رحمه الله - : أخبرني 
أبو الفضل العروضي  عن 
الأزهري  عن 
المنذري  عن 
أبي الهيثم    : أنه قال : ادعى قوم أن الصور جمع الصورة كما أن الصوف جمع الصوفة والثوم جمع الثومة ، وروي ذلك عن 
أبي عبيدة  قال 
أبو الهيثم    : وهذا خطأ فاحش لأن الله تعالى قال : ( 
وصوركم فأحسن صوركم   ) [ غافر : 64 ] وقال : ( 
ونفخ في الصور   ) [ الكهف : 99 ] فمن قرأ (ونفخ في الصور) ، وقرأ (فأحسن صوركم) فقد افترى الكذب ، وبدل كتاب الله ، وكان 
أبو عبيدة  صاحب أخبار وغرائب ، ولم يكن له معرفة بالنحو ، قال 
الفراء    : كل جمع على لفظ الواحد المذكر سبق جمعه واحده ، فواحده بزيادة هاء فيه ، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر والقطن والعشب فكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه ، وإذا أفردت واحدته زيدت فيها هاء ؛ لأن جمع هذا الباب سبق واحده ، ولو أن الصوفة كانت سابقة للصوف لقالوا صوفة وصوف وبسرة وبسر كما قالوا غرفة وغرف ، وزلفة وزلف ، وأما الصور القرن فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدته صورة وإنما تجمع صورة الإنسان صورا ؛ لأن واحدته سبقت جمعه ، قال 
الأزهري    : قد أحسن 
أبو الهيثم  في هذا الكلام ، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه ، وأقول : ومما يقوي هذا الوجه أنه لو كان المراد نفخ الروح في تلك الصور لأضاف تعالى ذلك النفخ إلى نفسه ؛ لأن نفخ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه ، كما قال : ( 
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي   ) [ الحجر : 29 ] وقال : ( 
فنفخنا فيها من روحنا   ) [الأنبياء : 91] وقال : ( 
ثم أنشأناه خلقا آخر   ) [المؤمنون : 14] وأما نفح الصور بمعنى النفخ في القرن ، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كما قال : ( 
فإذا نقر في الناقور   ) [ المدثر : 8 ] وقال : ( 
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون   ) [ الزمر : 68 ] فهذا تمام القول في هذا البحث ، والله أعلم بالصواب .