ثم 
قال تعالى : ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون   ) ، والمراد من هذا التفصيل أنه بين هذه الدلائل على وجه الفصل للبعض عن البعض . ألا ترى أنه تعالى تمسك أولا بتكوين النبات والشجر من الحب والنوى ، ثم ذكر بعده التمسك بالدلائل الفلكية من ثلاثة وجوه ، ثم ذكر بعده التمسك بأحوال تكوين الإنسان ، فقد ميز تعالى بعض هذه الدلائل عن بعض ، وفصل بعضها عن بعض لقوم يفقهون ، وفيه أبحاث : 
الأول : قوله : ( 
لقوم يفقهون   ) ظاهره مشعر بأنه تعالى قد يفعل الفعل لغرض وحكمة . 
وجواب 
أهل السنة    : أن اللام لام العاقبة ، أو يكون ذلك محمولا على التشبيه بحال من يفعل الفعل لغرض . 
والثاني : أن هذه الآية تدل على أنه تعالى أراد من جميع الخلق الفقه والفهم والإيمان ، وما أراد بأحد منهم الكفر ، وهذا قول 
المعتزلة    . 
وجواب أهل السنة : أن المراد منه كأنه تعالى يقول : إنما فصلت هذا البيان لمن عرف وفقه وفهم ، وهم المؤمنون لا غير . 
والثالث : أنه تعالى ختم الآية السابقة ، وهي الآية التي استدل فيها بأحوال النجوم بقوله : ( يعلمون ) وختم آخر هذه الآية بقوله : ( يفقهون ) والفرق أن إنشاء الإنس من نفس واحدة ، وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا ، فكان ذكر الفقه هاهنا لأجل أن 
الفقه يفيد مزيد فطنة وقوة وذكاء وفهم ؛ والله أعلم .