صفحة جزء
المسألة السادسة : قوله تعالى : ( وهو على كل شيء وكيل ) المراد منه أن يحصل للعبد كمال التوحيد وتقريره ، وهو أن العبد وإن كان يعتقد أنه لا إله إلا هو ، وأنه لا مدبر إلا الله تعالى ، إلا أن هذا العالم عالم الأسباب .

وسمعت الشيخ الإمام الزاهد الوالد رحمه الله يقول : لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب ، وإذا كان الأمر كذلك فقد يعلق الرجل القلب بالأسباب الظاهرة ، فتارة يعتمد على الأمير ، وتارة يرجع في تحصيل مهماته إلى الوزير ، فحينئذ لا ينال إلا الحرمان ولا يجد إلا تكثير الأحزان ، والحق تعالى قال : ( وهو على كل شيء وكيل ) والمقصود أن يعلم الرجل أنه لا حافظ إلا الله ، ولا مصلح للمهمات إلا الله ، فحينئذ ينقطع طمعه عن كل ما سواه ، ولا يرجع في مهم من المهمات إلا إليه .

المسألة السابعة : أنه قال قبل هذه الآية بقليل : ( وخلق كل شيء ) وقال هاهنا : ( خالق كل شيء ) ، وهذا كالتكرار .

والجواب من وجوه :

الأول : أن قوله : ( وخلق كل شيء ) إشارة إلى الماضي ، أما قوله : ( خالق كل شيء ) فهو اسم الفاعل ، وهو يتناول الأوقات كلها .

والثاني : وهو التحقيق أنه تعالى ذكر هناك قوله : ( وخلق كل شيء ) ليجعله مقدمة في بيان نفي الأولاد ، و هاهنا ذكر قوله : ( خالق كل شيء ) ليجعله مقدمة في بيان أنه لا معبود إلا هو ، والحاصل أن هذه المقدمة مقدمة توجب أحكاما كثيرة ونتائج مختلفة ، فهو تعالى يذكرها مرة بعد مرة ، ليفرع عليها في كل موضع ما يليق بها من النتيجة .

المسألة الثامنة : لقائل أن يقول : الإله هو الذي يستحق أن يكون معبودا ، فقوله : ( لا إله إلا هو ) معناه لا يستحق العبادة إلا هو ، فما الفائدة في قوله بعد ذلك ( فاعبدوه ) فإن هذا يوهم التكرير .

والجواب : قوله : ( لا إله إلا هو ) أي لا يستحق العبادة إلا هو ، وقوله : ( فاعبدوه ) أي لا تعبدوا غيره .

المسألة التاسعة : القوم كانوا معترفين بوجود الله تعالى كما قال : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] وما أطلقوا لفظ الله على أحد سوى الله سبحانه ، كما قال تعالى : ( هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] فقال : ( ذلكم الله ربكم ) أي الشيء الموصوف بالصفات التي تقدم ذكرها هو الله تعالى ، ثم قال بعده : ( ربكم ) يعني الذي يربكم ويحسن إليكم بأصناف التربية ووجوه الإحسان ، وهي أقسام [ ص: 102 ] بلغت في الكثرة إلى حيث يعجز العقل عن ضبطها ، كما قال : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] .

ثم قال : ( لا إله إلا هو ) يعني أنكم لما عرفتم وجود الإله المحسن المتفضل المتكرم فاعلموا أنه لا إله سواه ولا معبود سواه .

ثم قال : ( خالق كل شيء ) يعني إنما صح قولنا : لا إله سواه ؛ لأنه لا خالق للخلق سواه ، ولا مدبر للعالم إلا هو ، فهذا الترتيب ترتيب مناسب مفيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية