صفحة جزء
المسألة الثالثة : في تفسير ألفاظ الآية ، أما شرح الصدر ففي تفسيره وجهان :

الوجه الأول : قال الليث : يقال شرح الله صدره فانشرح أي وسع صدره لقبول ذلك الأمر فتوسع . أقول : إن الليث فسر شرح الصدر بتوسيع الصدر ، ولا شك أنه ليس المراد منه أن يوسع صدره على سبيل [ ص: 149 ] الحقيقة؛ لأنه لا شبهة أن ذلك محال ، بل لا بد من تفسير توسيع الصدر فنقول : تحقيقه ما ذكرناه فيما تقدم ولا بأس بإعادته ، فنقول إذا اعتقد الإنسان في عمل من الأعمال أن نفعه زائد وخيره راجح ، مال طبعه إليه ، وقويت رغبته في حصوله وحصل في القلب استعداد شديد لتحصيله ، فتسمى هذه الحالة بسعة النفس ، وإذا اعتقد في عمل من الأعمال أن شره زائد وضرره راجح عظمت النفرة عنه ، وحصل في الطبع نفرة ونبوة عن قبوله ، ومعلوم أن الطريق إذا كان ضيقا لم يتمكن الداخل من الدخول فيه ، وإذا كان واسعا قدر الداخل على الدخول فيه ، فإذا حصل اعتقاد أن الأمر الفلاني زائد النفع والخير وحصل الميل إليه ، فقد حصل ذلك الميل في ذلك القلب ، فقيل : اتسع الصدر له ، وإذا حصل اعتقاد أنه زائد الضرر والمفسدة لم يحصل في القلب ميل إليه فقيل إنه ضيق فقد صار الصدر شبيها بالطريق الضيق الذي لا يمكن الدخول فيه ، فهذا تحقيق الكلام في سعة الصدر وضيقه .

والوجه الثاني : في تفسير الشرح يقال : شرح فلان أمره إذا أظهره وأوضحه وشرح المسألة إذا كانت مشكلة فبينها .

واعلم أن لفظ الشرح غير مختص بالجانب الحق؛ لأنه وارد في الإسلام في قوله : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ) [ الزمر : 22 ] وفي الكفر في قوله : ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) [ النحل : 106 ] قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له : كيف يشرح الله صدره ؟ فقال عليه السلام : " يقذف فيه نورا حتى ينفسح وينشرح " فقيل له وهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ فقال عليه السلام : " الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " وأقول: هذا الحديث من أدل الدلائل على صحة ما ذكرناه في تفسير شرح الله الصدر ، وتقريره أن الإنسان إذا تصور أن الاشتغال بعمل الآخرة زائد النفع والخير ، وأن الاشتغال بعمل الدنيا زائد الضرر والشر ، فإذا حصل الجزم بذلك إما بالبرهان أو بالتجربة أو التقليد لا بد وأن يترتب على حصول هذا الاعتقاد حصول الرغبة في الآخرة ، وهو المراد من الإنابة إلى دار الخلود والنفرة عن دار الدنيا ، وهو المراد من التجافي عن دار الغرور ، وأما الاستعداد للموت قبل نزول الموت فهو مشتمل على الأمرين ، أعني النفرة عن الدنيا والرغبة في الآخرة .

إذا عرفت هذا فنقول : الداعي إلى الفعل لا بد وأن يحصل قبل حصول الفعل ، وشرح الصدر للإيمان عبارة عن حصول الداعي إلى الإيمان ، فلهذا المعنى أشعر ظاهر هذه الآية بأن شرح الصدر متقدم على حصول الإسلام ، وكذا القول في جانب الكفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية