( 
قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون   ) 
قوله تعالى : ( 
قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون   ) 
اعلم أنه تعالى لما أمر 
محمدا  صلى الله عليه وسلم بالتوحيد المحض ، وهو أن يقول : ( 
إن صلاتي ونسكي   ) إلى قوله : ( 
لا شريك له   ) أمره بأن يذكر ما يجري مجرى الدليل على صحة هذا التوحيد ، وتقريره من وجهين : 
الأول : أن 
أصناف المشركين أربعة ؛ لأن عبدة الأصنام أشركوا بالله ، وعبدة الكواكب أشركوا بالله ، والقائلون بيزدان ، وأهرمن ، وهم الذين قال الله في حقهم : ( 
وجعلوا لله شركاء الجن   ) [الأنعام : 100] أشركوا بالله ، 
والقائلون : بأن المسيح  ابن الله والملائكة بناته ، أشركوا أيضا بالله ، فهؤلاء هم فرق المشركين ، وكلهم معترفون أن الله خالق الكل ، وذلك لأن عبدة الأصنام معترفون بأن الله سبحانه هو الخالق للسماوات والأرض ، ولكل ما في العالم من الموجودات ، وهو الخالق للأصنام والأوثان بأسرها . 
وأما عبدة الكواكب فهم معترفون بأن الله خالقها وموجدها . وأما القائلون بيزدان وأهرمن ، فهم أيضا معترفون بأن الشيطان محدث ، وأن محدثه هو الله سبحانه . وأما القائلون 
بالمسيح  والملائكة فهم معترفون بأن الله خالق الكل ، فثبت بما ذكرنا أن طوائف المشركين أطبقوا واتفقوا على أن الله خالق هؤلاء الشركاء . 
إذا عرفت هذا فالله سبحانه قال له : يا 
محمد    : ( 
قل أغير الله أبغي ربا   ) مع أن هؤلاء الذين اتخذوا ربا غير الله تعالى أقروا بأن الله خالق تلك الأشياء ، وهل يدخل في العقل جعل المربوب شريكا للرب وجعل العبد شريكا للمولى ، وجعل المخلوق شريكا للخالق ؟ 
ولما كان الأمر كذلك ، ثبت بهذا الدليل أن اتخاذ رب غير الله تعالى قول فاسد ، ودين باطل .  
[ ص: 12 ] الوجه الثاني : في تقرير هذا الكلام أن الموجود ، إما واجب لذاته ، وإما ممكن لذاته . 
وثبت أن الواجب لذاته واحد ، فثبت أن ما سواه ممكن لذاته ، وثبت أن الممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته ، وإذا كان الأمر كذلك كان تعالى ربا لكل شيء . 
وإذا ثبت هذا فنقول : صريح العقل يشهد بأنه لا يجوز 
جعل المربوب شريكا للرب وجعل المخلوق شريكا للخالق فهذا هو المراد من قوله : ( 
قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء   ) ثم إنه تعالى لما بين بهذا الدليل القاهر القاطع هذا التوحيد بين أنه لا يرجع إليه من كفرهم وشركهم ذم ولا عقاب ، فقال : ( 
ولا تكسب كل نفس إلا عليها   ) ومعناه : أن إثم الجاني عليه ، لا على غيره ( 
ولا تزر وازرة وزر أخرى   ) أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى ، ثم بين تعالى أن رجوع هؤلاء المشركين إلى موضع لا حاكم فيه ولا آمر إلا الله تعالى ، فهو قوله : ( 
ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون   ) .