( 
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون   ) 
قوله تعالى : ( 
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون   ) 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما أمر الخلق بمتابعة الأنبياء عليهم السلام ، وبقبول دعوتهم ثم خوفهم بعذاب الدنيا ، وهو قوله : ( 
وكم من قرية أهلكناها   ) ثم خوفهم بعذاب الآخرة من وجهين : 
أحدهما : السؤال : وهو قوله : ( 
فلنسألن الذين أرسل إليهم   ) 
والثاني : بوزن الأعمال ، وهو قوله : ( 
والوزن يومئذ الحق   ) رغبهم في قبول دعوة الأنبياء -عليهم السلام- في هذه الآية بطريق آخر ، وهو أنه كثرت نعم الله عليهم ، وكثرة النعم توجب الطاعة ، فقال : ( 
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش   ) فقوله : ( 
مكناكم في الأرض   ) أي جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا ، ومكناكم فيها ، وأقدرناكم على التصرف فيها ، وجعلنا لكم فيها معايش ، والمراد من المعايش : وجوه المنافع ، وهي على قسمين : منها ما يحصل بخلق الله تعالى ابتداء مثل خلق الثمار وغيرها ، ومنها ما يحصل بالاكتساب ، وكلاهما في الحقيقة إنما حصل بفضل الله وإقداره وتمكينه ، فيكون الكل إنعاما من الله تعالى ، وكثرة الإنعام لا شك أنها توجب الطاعة والانقياد ، ثم بين تعالى أنه مع هذا   
[ ص: 25 ] الإفضال والإنعام عالم بأنهم لا يقومون بشكره كما ينبغي ، فقال : ( 
قليلا ما تشكرون   ) وهذا يدل على أنهم قد يشكرون ، والأمر كذلك ، وذلك لأن الإقرار بوجود الصانع كالأمر الضروري اللازم لجبلة عقل كل عاقل ، 
ونعم الله على الإنسان كثيرة ، فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه ، إنما التفاوت في أن بعضهم قد يكون كثير الشكر ، وبعضهم يكون قليل الشكر . 
المسألة الثانية : روى 
خارجة  ، عن 
نافع    : أنه همز ( معائش ) قال 
الزجاج    : جميع النحويين البصريين يزعمون أن همز ( معائش ) خطأ ، وذكروا أنه إنما يجوز جعل الياء همزة إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف ، فأما ( معايش ) فمن العيش ، والياء أصلية ، وقراءة 
نافع  لا أعرف لها وجها ، إلا أن لفظة هذه الياء التي هي من نفس الكلمة أسكن في معيشة فصارت هذه الكلمة مشابهة لقولنا : صحيفة ، فجعل قوله : ( معائش ) شبيها لقولنا : صحائف ، فكما أدخلوا الهمزة في قولنا : صحائف فكذا في قولنا : معائش على سبيل التشبيه ، إلا أن الفرق ما ذكرناه أن الياء في معيشة أصلية وفي صحيفة زائدة .