وقوله : ( 
ما ووري عنهما من سوآتهما   ) فيه مباحث : 
البحث الأول : ما ووري مأخوذ من المواراة يقال : واريته أي سترته . قال تعالى : ( 
يواري سوأة أخيه   ) . 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012675وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي  لما أخبره بوفاة أبيه : اذهب فواره   . 
البحث الثاني : السوءة فرج الرجل والمرأة ، وذلك لأن ظهوره يسوء الإنسان . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - : كأنهما قد ألبسا ثوبا يستر عورتهما ، فلما عصيا زال عنهما ذلك الثوب فذلك قوله تعالى : ( 
فلما ذاقا الشجرة بدت لهما   ) . 
البحث الثالث : دلت هذه الآية على أن 
كشف العورة من المنكرات ، وأنه لم يزل مستهجنا في الطباع مستقبحا في العقول . وقوله : ( 
ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين   ) ( الأعراف : 20 ) يمكن أن يكون هذا الكلام ذكره إبليس بحيث خاطب به 
آدم  وحواء  ، ويمكن أيضا أن يكون وسوسة أوقعها في قلوبهما ، والأمران مرويان إلا أن الأغلب أنه كان ذلك على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى : ( 
وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين   ) ومعنى الكلام أن إبليس قال لهما في الوسوسة : إلا أن تكون ملكين ، وأراد به أن تكونا بمنزلة الملائكة إن أكلتما منها أو تكونا من الخالدين إن أكلتما ، فرغبهما بأن أوهمهما أن من أكلها صار كذلك ، وأنه تعالى إنما نهاهما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ولا يخلدا ، وفي الآية سؤالات : 
السؤال الأول : كيف أطمع إبليس 
آدم  في أن يكون ملكا عند الأكل من الشجرة مع أنه شاهد الملائكة متواضعين ساجدين له معترفين بفضله . والجواب من وجوه : 
الأول : إن هذا المعنى أحد ما يدل على أن 
الملائكة الذين سجدوا لآدم  هم ملائكة الأرض   . أما ملائكة السماوات وسكان العرش والكرسي والملائكة المقربون فما سجدوا البتة 
لآدم  ، ولو كانوا سجدوا له لكان هذا التطميع فاسدا مختلا . 
وثانيها : نقل 
الواحدي  عن بعضهم أنه قال : 
إن آدم  علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة ، ولم يعلم ذلك لنفسه ، فعرض عليه إبليس أن يصير مثل الملك في البقاء ، وأقول : هذا الجواب ضعيف ؛ لأن على هذا التقدير المطلوب من الملائكة هو الخلود وحينئذ لا يبقى فرق بين قوله : ( 
إلا أن تكونا ملكين   ) وبين قوله : ( 
أو تكونا من الخالدين   ) .  
[ ص: 40 ] والوجه الثاني : قال 
الواحدي    : كان 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  يقرأ (ملكين) ، ويقول : ما طمعا في أن يكونا ملكين ، لكنهما استشرفا إلى أن يكونا ملكين ، وإنما أتاهما الملعون من جهة الملك ، ويدل على هذا قوله : ( 
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى   )   ( طه : 120 ) وأقول : هذا الجواب أيضا ضعيف ، وبيانه من وجهين : 
الأول : هب أنه حصل الجواب على هذه القراءة : فهل يقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : إن تلك القراءة المشهورة باطلة . أو لا يقول ذلك ؟ والأول باطل ؛ لأن تلك القراءة قراءة متواترة ، فكيف يمكن الطعن فيها . 
وأما الثاني : فعلى هذا التقدير الإشكال باق ؛ لأن على تلك القراءة يكون بالتطميع قد وقع في أن يصير بواسطة ذلك الأكل من جملة الملائكة ، وحينئذ يعود السؤال . 
والوجه الثاني : أنه تعالى جعل سجود الملائكة والخلق له في أن يسكن الجنة ، وأن يأكل منها رغدا كيف شاء وأراد ، ولا مزيد في الملك على هذه الدرجة . 
السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على أن 
درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النبوة ؟ 
والجواب من وجوه : 
الأول : أنا إذا قلنا إن هذه الواقعة كانت قبل النبوة لم يدل على ذلك ولأن 
آدم  حين طلب الوصول إلى درجة الملائكة ما كان من الأنبياء ، وعلى هذا التقدير زال الاستدلال . 
والثاني : إن بتقدير "أن" تكون هذه الواقعة وقعت في زمان النبوة ، فلعل 
آدم  عليه السلام رغب في أن يصير من الملائكة في القدرة والقوة والشدة أو في خلقة الذات بأن يصير جوهرا نورانيا ، وفي أن يصير من سكان العرش والكرسي ، وعلى هذا التقدير يسقط الاستدلال . 
السؤال الثالث : نقل أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد  قال 
للحسن  في قوله : 
إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وفي قوله : وقاسمهما قال 
عمرو    : قلت 
للحسن    : فهل صدقاه في ذلك ؟ فقال 
الحسن    : معاذ الله لو صدقاه لكانا من الكافرين ، ووجه السؤال أنه كيف يلزم هذا التكفير بتقدير أن يصدقا إبليس في ذلك القول . 
والجواب : ذكروا في تقرير ذلك التكفير أنه عليه السلام لو صدق إبليس في الخلود لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة ، وإنه كفر . ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه يلزم من ذلك التصديق حصول الكفر ؟ وبيانه من وجهين : 
الأول : إن لفظ الخلود محمول على طول المكث لا على الدوام ، وعلى هذا الوجه يندفع ما ذكروه . 
الوجه الثاني : هب أن الخلود مفسر بالدوام ، إلا أنا لا نسلم أن اعتقاد الدوام يوجب الكفر وتقريره أن العلم بأنه تعالى هل يميت هذا المكلف أو لا يميته علم لا يحصل إلا من دليل السمع ، فلعله تعالى ما بين في وقت 
آدم  عليه السلام أنه يميت الخلق ، ولما لم يوجد ذلك الدليل السمعي كان 
آدم  عليه السلام يجوز دوام البقاء ، فلهذا السبب رغب فيه ، وعلى هذا التقدير : فالتكفير غير لازم . 
السؤال الرابع : ثبت بما سبق 
أن آدم  وحواء  لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفيرهما ، فهل يقولون : إنهما صدقاه فيه قطعا ؟ وإن لم يحصل القطع فهل يقولون إنهما ظنا أن الأمر كما قال ؟ أو ينكرون هذا الظن أيضا ؟  
[ ص: 41 ] والجواب : إن المحققين أنكروا حصول هذا التصديق قطعا وظنا ، بل الصواب أنهما إنما أقدما على الأكل لغلبة الشهوة ، لا أنهما صدقاه علما أو ظنا كما نجد أنفسنا عند الشهوة نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه ، وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال . 
السؤال الخامس : قوله : ( 
إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين   ) هذا الترغيب والتطميع وقع في مجموع الأمرين أو في أحدهما . 
والجواب : قال بعضهم : الترغيب كان في مجموع الأمرين ؛ لأنه أدخل في الترغيب . 
وقيل : بل هو على ظاهره على طريقة التخيير .