أما قوله تعالى : ( 
وكلوا واشربوا   ) فاعلم أنا ذكرنا أن 
أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من الطعام في أيام حجهم إلا القليل ، وكانوا لا يأكلون الدسم ، يعظمون بذلك حجهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان فساد تلك الطريقة . 
والقول الثاني : إنهم كانوا يقولون : إن الله تعالى حرم عليهم شيئا مما في بطون الأنعام فحرم عليهم البحيرة والسائبة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لفساد قولهم في هذا الباب .  
[ ص: 52 ] واعلم أن قوله : ( 
وكلوا واشربوا   ) مطلق يتناول الأوقات والأحوال ، ويتناول جميع المطعومات والمشروبات ، فوجب أن يكون الأصل فيها هو الحل في كل الأوقات ، وفي كل المطعومات والمشروبات إلا ما خصه الدليل المنفصل ، والعقل أيضا مؤكد له ؛ لأن الأصل في المنافع الحل والإباحة . 
وأما قوله تعالى : ( 
ولا تسرفوا   ) ففيه قولان : 
القول الأول : أن يأكل ويشرب بحيث لا يتعدى إلى الحرام ، ولا يكثر الإنفاق المستقبح ولا يتناول مقدارا كثيرا يضره ولا يحتاج إليه . 
والقول الثاني : وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13719أبي بكر الأصم    : إن المراد من الإسراف ، قولهم بتحريم البحيرة والسائبة ، فإنهم أخرجوها عن ملكهم ، وتركوا الانتفاع بها ، وأيضا إنهم حرموا على أنفسهم في وقت الحج أيضا أشياء أحلها الله تعالى لهم ، وذلك إسراف . 
واعلم أن حمل لفظ الإسراف على الاستكثار ، مما لا ينبغي أولى من حمله على المنع مما لا يجوز وينبغي . 
ثم قال تعالى : ( 
إنه لا يحب المسرفين   ) وهذا نهاية التهديد ؛ لأن كل ما لا يحبه الله تعالى بقي محروما عن الثواب ؛ لأن معنى 
محبة الله تعالى العبد إيصاله الثواب إليه ، فعدم هذه المحبة عبارة عن عدم حصول الثواب ، ومتى لم يحصل الثواب ، فقد حصل العقاب ؛ لانعقاد الإجماع على أنه ليس في الوجود مكلف ، لا يثاب ولا يعاقب .