[ ص: 97 ] ثم قال تعالى : ( 
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ 
ابن عامر    " والشمس والقمر والنجوم مسخرات " بالرفع على معنى الابتداء والباقون بالنصب على معنى وجعل 
الشمس والقمر ، قال 
الواحدي    : والنصب هو الوجه لقوله تعالى : ( 
واسجدوا لله الذي خلقهن   ) [فصلت : 37] فكما صرح في هذه الآية أنه سخر الشمس والقمر كذلك يجب أن يحمل على أنه خلقها في قوله : ( 
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض   ) ( 
والشمس والقمر والنجوم   ) وهذا النصب على الحال أي خلق هذه الأشياء حال كونها موصوفة بهذه الصفات والآثار والأفعال . وحجة 
ابن عامر  قوله تعالى : ( 
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض   ) ومن جملة ما في السماء الشمس والقمر ، فلما أخبر أنه تعالى سخرها حسن الإخبار عنها بأنها مسخرة كما أنك إذا قلت ضربت زيدا استقام أن تقول زيد مضروب . 
المسألة الثانية : في هذه الآية لطائف : 
فالأولى : أن 
الشمس لها نوعان من الحركة   : 
أحد النوعين : حركتها بحسب ذاتها وهي إنما تتم في سنة كاملة ، وبسبب هذه الحركة تحصل السنة . 
والنوع الثاني : حركتها بسبب حركة الفلك الأعظم وهذه الحركة تتم في اليوم بليلة . 
إذا عرفت هذا فنقول : الليل والنهار لا يحصل بسبب حركة الشمس وإنما يحصل بسبب حركة السماء الأقصى التي يقال لها العرش ، فلهذا السبب لما ذكر العرش بقوله : ( 
ثم استوى على العرش   ) ربط به قوله : ( 
يغشي الليل النهار   ) تنبيها على أن سبب حصول الليل والنهار هو حركة الفلك الأقصى لا حركة الشمس والقمر وهذه دقيقة عجيبة . 
والثانية : أنه تعالى لما شرح كيفية تخليق السماوات . قال : ( 
فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها   ) [فصلت : 12] فدلت تلك الآية على أنه سبحانه خص كل ذلك بلطيفة نورانية ربانية من عالم الأمر . 
ثم قال بعده : ( 
ألا له الخلق والأمر   ) وهو إشارة إلى أن كل ما سوى الله تعالى إما من عالم الخلق أو من عالم الأمر ، أما الذي هو من عالم الخلق ، فالخلق عبارة عن التقدير ، وكل ما كان جسما أو جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين ، فكان من عالم الخلق ، وكل ما كان بريئا عن الحجمية والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر ، فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك والكواكب التي هي من عالم الخلق بملك من الملائكة ، وهم من عالم الأمر . والأحاديث الصحيحة مطابقة لذلك ، وهي ما روي في الأخبار أن لله ملائكة يحركون الشمس والقمر عند الطلوع وعند الغروب ، وكذا القول في سائر الكواكب . وأيضا قوله سبحانه : ( 
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية   ) [الحاقة : 17] إشارة إلى أن الملائكة الذين يقومون بحفظ العرش ثمانية ، ثم إذا دققت النظر علمت أن 
عالم الخلق في تسخير الله وعالم الأمر في تدبير الله واستيلاء الروحانيات على الجسمانيات بتقدير الله ، فلهذا المعنى قال : ( 
ألا له الخلق والأمر   ) .