صفحة جزء
[ ص: 133 ] المسألة الثانية : قوله : ( هذه ناقة الله لكم آية ) فقوله : ( آية ) نصب على الحال ، أي أشير إليها في حال كونها آية ، ولفظة " هذه " تتضمن معنى الإشارة ، و " آية " في معنى دالة ؛ فلهذا جاز أن تكون حالا .

فإن قيل : تلك الناقة كانت آية لكل أحد ، فلماذا خص أولئك الأقوام بها فقال : ( هذه ناقة الله لكم آية ) .

قلنا : فيه وجوه :

أحدها : أنهم عاينوها وغيرهم أخبروا عنها ، وليس الخبر كالمعاينة .

وثانيها : لعله يثبت سائر المعجزات ، إلا أن القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح ، فأظهرها الله تعالى لهم ؛ فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص .

فإن قيل : ما الفائدة في تخصيص تلك الناقة بأنها ناقة الله ؟

قلنا : فيه وجوه :

قيل : أضافها إلى الله تشريفا وتخصيصا ، كقوله : بيت الله .

وقيل : لأنه خلقها بلا واسطة .

وقيل : لأنها لا مالك لها غير الله .

وقيل : لأنها حجة الله على القوم .

ثم قال : ( فذروها تأكل في أرض الله ) أي الأرض أرض الله ، والناقة ناقة الله ، فذروها تأكل في أرض ربها ، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم ، ولا تمسوها بسوء ، ولا تضربوها ، ولا تطردوها ، ولا تقربوا منها شيئا من أنواع الأذى . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا علي ، أشقى الأولين عاقر ناقة صالح ، وأشقى الآخرين قاتلك .

ثم قال تعالى : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ) قيل : إنه تعالى لما أهلك عادا عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وكثروا وعمروا أعمارا طوالا .

ثم قال : ( وبوأكم في الأرض ) أنزلكم ، والمبوأ : المنزل من الأرض ، أي في أرض الحجر بين الحجاز والشام .

ثم قال : ( تتخذون من سهولها قصورا ) أي تبوؤن القصور من سهولة الأرض ، فإن القصور إنما تبنى من الطين واللبن والآجر ، وهذه الأشياء إنما تتخذ من سهولة الأرض ( وتنحتون من الجبال بيوتا ) يريد تنحتون بيوتا من الجبال تسقفونها .

فإن قالوا : علام انتصب " بيوتا " ؟

قلنا : على الحال كما يقال : خط هذا الثوب قميصا ، وأبر هذه القصبة قلما ، وهي من الحال المقدرة ؛ لأن الجبل لا يكون بيتا في حال النحت ، ولا الثوب والقصبة قميصا ، وقلما في حال الخياطة والبري . وقيل : كانوا يسكنون السهول في الصيف ، والجبال في الشتاء ، وهذا يدل على أنهم كانوا متنعمين مترفهين .

ثم قال : ( فاذكروا آلاء الله ) يعني قد ذكرت لكم بعض أقسام ما آتاكم الله من النعم ، وذكر الكل طويل ، فاذكروا أنتم بعقولكم ما فيها ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) قيل : المراد منه : النهي عن عقر الناقة ، والأولى أن يحمل على ظاهره وهو المنع عن كل أنواع الفساد .

التالي السابق


الخدمات العلمية