صفحة جزء
[ ص: 179 ] ( ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل ، فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) .

قوله تعالى : ( ولما وقع عليهم الرجز قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ، فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) .

اعلم أنا ذكرنا معنى الرجز عند قوله : ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ) [ البقرة : 59 ] في سورة البقرة ، وهو اسم للعذاب ، ثم إنهم اختلفوا في المراد بهذا الرجز ، فقال بعضهم : إنه عبارة عن الأنواع الخمسة المذكورة من العذاب الذي كان نازلا بهم .

وقال سعيد بن جبير " الرجز " معناه : الطاعون ، وهو العذاب الذي أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان في يوم واحد ، فتركوا غير مدفونين ، واعلم أن القول الأول أقوى ؛ لأن لفظ " الرجز " لفظ مفرد محلى بالألف واللام ، فينصرف إلى المعهود السابق ، وههنا المعهود السابق هو الأنواع الخمسة التي تقدم ذكرها ، وأما غيرها فمشكوك فيه ، فحمل اللفظ على المعلوم أولى من حمله على المشكوك فيه .

إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى بين ما كانوا عليه من المناقضة القبيحة ؛ لأنهم تارة يكذبون موسى عليه السلام ، وأخرى عند الشدائد يفزعون إليه فزع الأمة إلى نبيها ، ويسألونه أن يسأل ربه رفع ذلك العذاب عنهم ، وذلك يقتضي أنهم سلموا إليه كونه نبيا مجاب الدعوة ، ثم بعد زوال تلك الشدائد يعودون إلى تكذيبه والطعن فيه ، وأنه إنما يصل إلى مطالبة بسحره ، فمن هذا الوجه يظهر أنهم يناقضون أنفسهم في هذه الأقاويل .

وأما قوله تعالى حكاية عنهم : ( ادع لنا ربك بما عهد عندك ) فقال صاحب " الكشاف " : " ما " في قوله : ( بما عهد عندك ) مصدرية والمعنى : بعهده عندك وهو النبوة ، وفي هذه الباء وجهان :

الوجه الأول : أنها متعلقة بقوله : ( ادع لنا ربك ) والتقدير " ادع لنا " متوسلا إليه بعهده عندك .

والوجه الثاني : في هذه الباء أن تكون قسما وجوابها قوله : ( لنؤمنن لك ) أي أقسمنا بعهد الله عندك ( لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ) .

وقوله : ( ولنرسلن معك بني إسرائيل ) كانوا قد أخذوا بني إسرائيل بالكد الشديد ، فوعدوا موسى عليه السلام على دعائه بكشف العذاب عنهم الإيمان به ، والتخلية عن بني إسرائيل وإرسالهم معه يذهب بهم أين شاء .

وقوله : ( فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ) المعنى أنا ما أزلنا عنهم العذاب مطلقا ، وما كشفنا عنهم الرجز في جميع الوقائع ، بل إنما أزلنا عنهم العذاب إلى أجل معين ، وعند ذلك الأجل لا نزيل عنهم العذاب بل نهلكهم به .

وقوله : ( إذا هم ينكثون ) هو جواب ل " ما " ، يعني فلما كشفنا عنهم فاجئوا النكث وبادروه ولم يؤخروه كما كشفنا عنهم نكثوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية