( 
وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم  [ ص: 184 ] وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين   ) . 
قوله تعالى : ( 
وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم   ) . 
واعلم أن هذه الآية مفسرة في سورة البقرة ، والفائدة في ذكرها في هذا الموضع أنه تعالى هو الذي أنعم عليكم بهذه النعمة العظيمة ، فكيف يليق بكم 
الاشتغال بعبادة غير الله تعالى ، والله أعلم . 
قوله تعالى : ( 
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين   ) . 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ 
أبو عمرو    : " وعدنا " بغير ألف ، والباقون " واعدنا " بالألف على المفاعلة ، وقد مر بيان هذه القراءة في سورة البقرة . 
المسألة الثانية : اعلم أنه روي أن 
موسى  عليه السلام وعد 
بني إسرائيل  وهو 
بمصر    : إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون ، فلما هلك فرعون سأل 
موسى  ربه الكتاب ، فهذه الآية في بيان كيفية نزول التوراة ، واعلم أنه تعالى قال في سورة البقرة : ( 
وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة   ) [ البقرة : 51 ] وذكر تفصيل تلك الأربعين في هذه الآية . 
فإن قيل : وما 
الحكمة ههنا في ذكر الثلاثين ثم إتمامها بعشر ؟ وأيضا فقوله : ( 
فتم ميقات ربه أربعين ليلة   ) كلام عار عن الفائدة ؛ لأن كل أحد يعلم أن الثلاثين مع العشر يكون أربعين . 
قلنا : أما الجواب عن السؤال الأول فهو من وجوه : 
الوجه الأول : 
أنه تعالى أمر موسى  عليه السلام بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه ، فتسوك ، فقالت الملائكة : كنا نشم من فيك رائحة المسك ، فأفسدته بالسواك ، فأوحى الله تعالى إليه : أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لهذا السبب . 
والوجه الثاني في فائدة هذا التفضيل : أن الله أمره أن يصوم ثلاثين يوما ، وأن يعمل فيها ما يقربه إلى الله تعالى ، ثم أنزلت التوراة عليه في العشر البواقي ، وكلمه أيضا فيه . فهذا هو الفائدة في تفصيل الأربعين إلى الثلاثين وإلى العشرة . 
والوجه الثالث : ما ذكره 
أبو مسلم الأصفهاني  في سورة طه ما دل على أن 
موسى  عليه السلام بادر إلى ميقات ربه قبل قومه ، والدليل عليه قوله تعالى : ( 
وما أعجلك عن قومك ياموسى قال هم أولاء على أثري   )   
[ ص: 185 ]   [ طه : 83 ] فجائز أن يكون 
موسى  أتى الطور عند تمام الثلاثين ، فلما أعلمه الله تعالى خبر قومه مع 
السامري  ، رجع إلى قومه قبل تمام ما وعده الله تعالى ، ثم عاد إلى الميقات في عشرة أخرى ، فتم أربعون ليلة . 
والوجه الرابع : قال بعضهم لا يمتنع أن يكون الوعد الأول حضره 
موسى  عليه السلام وحده ، والوعد الثاني حضر المختارون معه ليسمعوا كلام الله تعالى ، فصار الوعد مختلفا لاختلاف حال الحاضرين . والله أعلم . 
والجواب عن السؤال الثاني : أنه تعالى إنما قال : ( 
أربعين ليلة   ) إزالة لتوهم أن ذلك العشر من الثلاثين ؛ لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين ، كأنه كان عشرين ثم أتمه بعشر ، فصار ثلاثين ، فأزال هذا الإيهام . 
أما قوله تعالى : ( 
فتم ميقات ربه أربعين ليلة   ) ففيه بحثان : 
البحث الأول : 
الفرق بين الميقات وبين الوقت أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال ، والوقت وقت للشيء بتقدير مقدر أولا . 
والبحث الثاني : قوله : ( 
أربعين ليلة   ) نصب على الحال أي تم بالغا هذا العدد . 
وأما قوله : ( 
وقال موسى لأخيه هارون   ) فقوله : ( هارون ) عطف بيان لأخيه ، وقرئ بالضم على النداء ( 
اخلفني في قومي   ) كن خليفتي فيهم ( وأصلح ) وكن مصلحا أو ( وأصلح ) ما يجب أن يصلح من أمور 
بني إسرائيل  ، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه . 
فإن قيل : إن 
هارون  كان شريك 
موسى  عليه السلام في النبوة ، فكيف جعله خليفة لنفسه ، فإن شريك الإنسان أعلى حالا من خليفته ، ورد الإنسان من المنصب الأعلى إلى الأدون يكون إهانة . 
قلنا : الأمر وإن كان كما ذكرتم ، إلا أنه كان 
موسى  عليه السلام هو الأصل في تلك النبوة . 
فإن قيل : لما كان 
هارون  نبيا والنبي لا يفعل إلا الإصلاح ، فكيف وصاه بالإصلاح ؟ . 
قلنا : المقصود من هذا الأمر التأكيد ، كقوله : ( 
ولكن ليطمئن قلبي   ) [ البقرة : 260 ] والله أعلم .