صفحة جزء
( المسألة الثالثة : ( اتفقوا على أن الفعل لا يخبر عنه ، لأن من قال : خرج ضرب لم يكن آتيا بكلام منتظم ، ومنهم من قدح فيه بوجوه :

أحدها : أن قوله : ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) فعل وقد أخبر عنه بقوله : ( سواء عليهم ) ونظيره قوله : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) [يوسف : 35] فاعل " بدا " هو " ليسجننه " .

وثانيها : أن المخبر عنه بأنه فعل لا بد وأن يكون فعلا ، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل ، فإن قيل : المخبر عنه بأنه فعل هو تلك الكلمة ، وتلك الكلمة اسم ، قلنا : فعلى هذا : المخبر عنه بأنه فعل إذا لم يكن فعلا بل اسما كان هذا الخبر كذبا ، والتحقيق أن المخبر عنه بأنه فعل إما أن يكون اسما أو لا يكون ، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذبا ، لأن الاسم لا يكون فعلا ، وإن كان فعلا فقد صار الفعل مخبرا عنه ، وثالثها : أنا إذا قلنا : الفعل لا يخبر عنه فقد أخبرنا عنه بأنه لا يخبر عنه ، والمخبر عنه بهذا الخبر لو كان اسما لزم أنا قد أخبرنا عن الاسم بأنه لا يخبر عنه ، وهذا خطأ ، وإن كان فعلا صار الفعل مخبرا عنه ، ثم قال هؤلاء : لما ثبت أنه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجة إلى ترك الظاهر . أما جمهور النحويين فقد أطبقوا على أنه لا يجوز الإخبار عن الفعل ، فلا جرم كان التقدير : سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك ، فإن قيل : العدول عن الحقيقة إلى المجاز لا بد وأن يكون لفائدة زائدة إما في المعنى أو في اللفظ ، فما تلك الفائدة ههنا ؟ قلنا : قوله : ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) معناه سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك لهم بعد ذلك ؛ لأن القوم كانوا قد بلغوا في الإصرار واللجاج والإعراض عن الآيات والدلائل إلى حالة ما بقي فيهم البتة رجاء القبول بوجه . وقبل ذلك ما كانوا كذلك ، ولو قال : سواء عليهم إنذارك وعدم إنذارك لما أفاد أن هذا المعنى إنما حصل في هذا الوقت دون ما قبله ، ولما قال : ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) [ ص: 39 ] أفاد أن هذه الحالة إنما حصلت في هذا الوقت ، فكان ذلك يفيد حصول اليأس وقطع الرجاء منهم ، وقد بينا أن المقصود من هذه الآية ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية