صفحة جزء
( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون )

قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ) .

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بين ما يفعل الرسول في حق من يجده في الحرب ويتمكن منه ، وذكر أيضا ما يجب أن يفعله فيمن ظهر منه نقض العهد ، بين أيضا حال من فاته في يوم بدر وغيره ، لئلا يبقى حسرة في قلبه فقد كان فيهم من بلغ في أذية الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغا عظيما فقال : ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا ) والمعنى : أنهم لما سبقوا فقد فاتوك ولم تقدر على إنزال ما يستحقونه بهم ، ثم ههنا قولان :

الأول : أن المراد ولا تحسبن أنهم انفلتوا منك ، فإن الله يظفرك بعيرهم .

والثاني : لا تحسبن أنهم لما تخلصوا من الأسر والقتل أنهم قد تخلصوا من عقاب الله ومن عذاب الآخرة( إنهم لا يعجزون ) أي أنهم بهذا السبق لا يعجزون الله من الانتقام منهم والمقصود تسلية الرسول فيمن فاته ولم يتمكن من التشفي والانتقام منه .

المسألة الثانية : قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم "لا يحسبن" بالياء المنقطة من تحت ، وفي تصحيحه ثلاثة أوجه :

الأول : قال الزجاج : ولا يحسبن الذين كفروا أن يسبقونا ؛ لأنها في حرف ابن مسعود أنهم سبقونا فإذا كان الأمر كذلك فهي بمنزلة قولك : حسبت أن أقوم ، وحسبت أقوم وحذف أن كثير في القرآن ، قال تعالى :( قل أفغير الله تأمروني أعبد ) [الزمر : 64] ، والمعنى : أن أعبد .

الثاني : أن نضمر فاعلا للحسبان ونجعل الذين كفروا المفعول الأول ، والتقدير : ولا يحسبن أحد الذين كفروا .

والثالث : قال أبو علي : ويجوز أيضا أن يضمر المفعول الأول ، والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا أو إياهم سبقوا ، وأما أكثر القراء فقرءوا " ولا تحسبن " بالتاء المنقطة من فوق على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والذين كفروا المفعول الأول ، وسبقوا المفعول الثاني وموضعه نصب ، والمعنى : ولا تحسبن الذين كفروا سابقين .

المسألة الثالثة : أكثر القراء على كسر " إن " في قوله :( إنهم لا يعجزون ) وهو الوجه لأنه ابتداء كلام غير متصل بالأول كقوله :( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ) [العنكبوت : 4 ] وتم الكلام ثم قال :( ساء ما يحكمون ) فكما أن قوله :( ساء ما يحكمون ) منقطع من الجملة التي قبلها ، كذلك قوله :( إنهم لا يعجزون ) وقرأ ابن عامر " أنهم " بفتح الألف ، وجعله متعلقا بالجملة الأولى ، وفيه وجهان :

الأول : التقدير : لا تحسبنهم سبقوا ؛ لأنهم لا يفوتون فهم يجزون على كفرهم .

الثاني : قال أبو عبيد : يجعل " لا " صلة ، والتقدير : لا تحسبن أنهم يعجزون .

التالي السابق


الخدمات العلمية