1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة التوبة
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
صفحة جزء
ثم قال تعالى :( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم ) وفي قراءة أبي ( وبطونهم ) وفيه سؤالات :

السؤال الأول : لا يقال أحميت على الحديد ، بل يقال : أحميت الحديد فما الفائدة في قوله :( يوم يحمى عليها ) .

والجواب : ليس المراد أن تلك الأموال تحمى على النار ، بل المراد أن النار تحمى على تلك الأموال التي هي الذهب والفضة ، أي يوقد عليها نار ذات حمى وحر شديد ، وهو مأخوذ من قوله :( نار حامية ) ولو قيل : يوم تحمى لم يفد هذه الفائدة .

فإن قالوا : لما كان المراد يوم تحمى النار عليها ، فلم ذكر الفعل ؟

قلنا : لأن النار تأنيثها لفظي ، والفعل غير مسند في الظاهر إليه ، بل إلى قوله :( عليها ) فلا جرم حسن التذكير والتأنيث ، وعن ابن عامر أنه قرأ( تحمى ) بالتاء .

السؤال الثاني : ما الناصب لقوله :( يوم ) ؟

الجواب : التقدير فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها .

السؤال الثالث : لم خصت هذه الأعضاء ؟

والجواب لوجوه :

أحدها : أن المقصود من كسب الأموال حصول فرح في القلب يظهر أثره في الوجوه ، وحصول شبع ينتفخ بسببه الجنبان ، ولبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم ، فلما طلبوا تزين هذه الأعضاء الثلاثة ، لا جرم حصل الكي على الجباه والجنوب والظهور .

وثانيها : أن هذه الأعضاء الثلاثة مجوفة ، قد حصل في داخلها آلات ضعيفة يعظم تألمها بسبب وصول أدنى أثر إليها بخلاف سائر الأعضاء .

وثالثها : قال أبو بكر الوراق : خصت هذه المواضع بالذكر ؛ لأن صاحب المال إذا رأى الفقير بجنبه تباعد [ ص: 40 ] عنه وولى ظهره .

ورابعها : أن المعنى أنهم يكوون على الجهات الأربع ، إما من مقدمه فعلى الجبهة ، وإما من خلفه فعلى الظهور ، وإما من يمينه ويساره فعلى الجنبين .

وخامسها : أن ألطف أعضاء الإنسان جبينه والعضو المتوسط في اللطافة والصلابة جنبه ، والعضو الذي هو أصلب أعضاء الإنسان ظهره ، فبين تعالى أن هذه الأقسام الثلاثة من أعضائه تصير مغمورة في الكي ، والغرض منه التنبيه على أن ذلك الكي يحصل في تلك الأعضاء .

وسادسها : أن كمال حال بدن الإنسان في جماله وقوته ، أما الجمال فمحله الوجه ، وأعز الأعضاء في الوجه الجبهة ، فإذا وقع الكي في الجبهة ، فقد زال الجمال بالكلية ، وأما القوة فمحلها الظهر والجنبان ، فإذا حصل الكي عليها فقد زالت القوة عن البدن ، فالحاصل : أن حصول الكي في هذه الأعضاء الثلاثة يوجب زوال الجمال وزوال القوة ، والإنسان إنما طلب المال لحصول الجمال ، ولحصول القوة .

السؤال الرابع : الذي يجعل كيا على بدن الإنسان هو كل ذلك المال أو القدر الواجب من الزكاة .

والجواب : مقتضى الآية : الكل ؛ لأنه لما لم يخرج منه لم يكن الحق منه جزءا معينا ، بل لا جزء إلا والحق متعلق به ، فوجب أن يعذبه الله بكل الأجزاء .

ثم إنه تعالى قال :( هذا ما كنزتم لأنفسكم ) والتقدير : فيقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ، والغرض منه تعظيم الوعيد ؛ لأنهم إذا عاينوا ما يعذبون به من درهم أو من دينار أو من صفيحة معمولة منهما أو من أحدهما جوزوا فيه أن يكون عن الحق الذي منعه ، وجوزوا خلاف ذلك ، فعظم الله تبكيتهم بأن يقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم لم تؤثروا به رضا ربكم ، ولا قصدتم بالإنفاق منه نفع أنفسكم ، والخلاص به من عقاب ربكم فصرتم كأنكم ادخرتموه ؛ ليجعل عقابا لكم على ما تشاهدونه ، ثم يقول تعالى :( فذوقوا ما كنتم تكنزون ) ومعناه لم تصرفوه لمنافع دينكم ودنياكم على ما أمركم الله به( فذوقوا ) وبال ذلك به لا بغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية