ثم قال :( 
ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما   ) والمغرم مصدر كالغرامة ، والمعنى : أن 
من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران ، وإنما يعتقد ذلك لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء ، لا لوجه الله وابتغاء ثوابه( 
ويتربص بكم الدوائر   ) يعني الموت والقتل ، أي : ينتظر أن تنقلب الأمور عليكم بموت الرسول ، ويظهر عليكم المشركون . ثم إنه أعاده إليهم ، فقال :( 
عليهم دائرة السوء   ) والدائرة يجوز أن تكون واحدة ، ويجوز أن تكون صفة غالبة ، وهي إنما تستعمل في آفة تحيط بالإنسان كالدائرة ، بحيث لا يكون له منها مخلص ، وقوله :( 
السوء   ) قرئ بفتح السين وضمه . قال 
الفراء    : فتح السين هو الوجه ؛ لأنه مصدر قولك : ساء يسوء سوءا أو مساءة ، ومن ضم السين جعله اسما ، كقولك : عليهم دائرة البلاء والعذاب ، ولا يجوز ضم السين في قوله :( 
ما كان أبوك امرأ سوء   ) ( مريم : 28 ) ولا في قوله :   
[ ص: 133 ]   ( 
وظننتم ظن السوء   ) ( الفتح : 12 ) وإلا لصار التقدير : ما كان أبوك امرأ عذاب ، وظننتم ظن العذاب ، ومعلوم أنه لا يجوز ، وقال 
الأخفش  وأبو عبيد    : من فتح السين ، فهو كقولك : رجل سوء ، وامرأة سوء . ثم يدخل الألف واللام ، فيقول : رجل السوء وأنشد 
الأخفش    : 
وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الدم 
  . ومن ضم السين أراد بالسوء المضرة والشر والبلاء والمكروه ، كأنه قيل : عليهم دائرة الهزيمة والمكروه ، وبهم يحيق ذلك . قال 
أبو علي الفارسي    : لو لم تضف الدائرة إلى السوء أو السوء لما عرف منها معنى السوء ؛ لأن دائرة الدهر لا تستعمل إلا في المكروه . 
إذا عرفت هذا فنقول : المعنى يدور عليهم البلاء والحزن ، فلا يرون في 
محمد    - عليه الصلاة والسلام - ودينه إلا ما يسوؤهم . 
ثم قال :( 
والله سميع   ) لقولهم :( 
عليم   ) بنياتهم .