1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة التوبة
  4. قوله تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله
صفحة جزء
ثم قال :( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ) والمغرم مصدر كالغرامة ، والمعنى : أن من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران ، وإنما يعتقد ذلك لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء ، لا لوجه الله وابتغاء ثوابه( ويتربص بكم الدوائر ) يعني الموت والقتل ، أي : ينتظر أن تنقلب الأمور عليكم بموت الرسول ، ويظهر عليكم المشركون . ثم إنه أعاده إليهم ، فقال :( عليهم دائرة السوء ) والدائرة يجوز أن تكون واحدة ، ويجوز أن تكون صفة غالبة ، وهي إنما تستعمل في آفة تحيط بالإنسان كالدائرة ، بحيث لا يكون له منها مخلص ، وقوله :( السوء ) قرئ بفتح السين وضمه . قال الفراء : فتح السين هو الوجه ؛ لأنه مصدر قولك : ساء يسوء سوءا أو مساءة ، ومن ضم السين جعله اسما ، كقولك : عليهم دائرة البلاء والعذاب ، ولا يجوز ضم السين في قوله :( ما كان أبوك امرأ سوء ) ( مريم : 28 ) ولا في قوله : [ ص: 133 ] ( وظننتم ظن السوء ) ( الفتح : 12 ) وإلا لصار التقدير : ما كان أبوك امرأ عذاب ، وظننتم ظن العذاب ، ومعلوم أنه لا يجوز ، وقال الأخفش وأبو عبيد : من فتح السين ، فهو كقولك : رجل سوء ، وامرأة سوء . ثم يدخل الألف واللام ، فيقول : رجل السوء وأنشد الأخفش :

وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الدم

. ومن ضم السين أراد بالسوء المضرة والشر والبلاء والمكروه ، كأنه قيل : عليهم دائرة الهزيمة والمكروه ، وبهم يحيق ذلك . قال أبو علي الفارسي : لو لم تضف الدائرة إلى السوء أو السوء لما عرف منها معنى السوء ؛ لأن دائرة الدهر لا تستعمل إلا في المكروه .

إذا عرفت هذا فنقول : المعنى يدور عليهم البلاء والحزن ، فلا يرون في محمد - عليه الصلاة والسلام - ودينه إلا ما يسوؤهم .

ثم قال :( والله سميع ) لقولهم :( عليم ) بنياتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية