1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
صفحة جزء
( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )

قوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )

واعلم أن اشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه واستبدالها به ، فإن قيل كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى قلنا جعلوا لتمكنهم منه كأنه في أيديهم فإذا تركوه ومالوا إلى الضلالة فقد استبدلوها به ، [ ص: 66 ] والضلالة الجور والخروج عن القصد وفقد الاهتداء ، فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين ، أما قوله : ( فما ربحت تجارتهم ) فالمعنى أنهم ما ربحوا في تجارتهم ، وفيه سؤالان : السؤال الأول : كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها ؟

الجواب : هو من الإسناد المجازي وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشتري .

السؤال الثاني : هب أن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا في معنى الاستبدال فما معنى ذكر الربح والتجارة وما كان ثم مبايعة على الحقيقة؟ والجواب : هذا مما يقوي أمر المجاز ويحسنه كما قال الشاعر :


ولما رأيت النسر عز ابن دأية وعشش في وكريه جاش له صدري



لما شبه الشيب بالنسر ، والشعر الفاحم بالغراب أتبعه بذكر التعشيش والوكر ، فكذا ههنا لما ذكر سبحانه الشراء أتبعه ما يشاكله ويواخيه ، تمثيلا لخسارتهم وتصويرا لحقيقته ، أما قوله :

( وما كانوا مهتدين ) فالمعنى أن الذي تطلبه التجار في متصرفاتهم أمران : سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الأمرين ؛ لأن رأس مالهم هو العقل الخالي عن المانع ، فلما اعتقدوا هذه الضلالات صارت تلك العقائد الفاسدة الكسبية مانعة من الاشتغال بطلب العقائد الحقة .

وقال قتادة : انتقلوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الطاعة إلى المعصية ، ومن الجماعة إلى التفرقة ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية