1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة التوبة
  4. قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى
صفحة جزء
أما قوله تعالى :( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) ففيه مسائل :

المسألة الأولى : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه :

الأول : أن المقصود منه أن لا يتوهم إنسان أنه تعالى منع محمدا من بعض ما أذن لإبراهيم فيه .

والثاني : أن يقال إنا ذكرنا في سبب اتصال هذه الآية بما قبلها المبالغة في إيجاب الانقطاع عن الكفار أحيائهم وأمواتهم . ثم بين تعالى أن هذا الحكم غير مختص بدين محمد - عليه الصلاة والسلام - ، بل المبالغة في تقرير وجوب الانقطاع كانت مشروعة أيضا في دين إبراهيم - عليه السلام - ، فتكون المبالغة في تقرير وجوب المقاطعة والمباينة من الكفار أقوى .

الثالث : أنه تعالى وصف إبراهيم - عليه السلام - في هذه الآية بكونه حليما أي : قليل الغضب ، وبكونه أواها أي : كثير التوجع والتفجع عند نزول المضار بالناس ، والمقصود أن من كان موصوفا بهذه الصفات كان ميل قلبه إلى الاستغفار لأبيه شديدا ، فكأنه قيل : إن إبراهيم مع جلالة قدره ومع كونه موصوفا بالأواهية والحليمية منعه الله تعالى من الاستغفار لأبيه الكافر ، فلأن يكون غيره ممنوعا من هذا المعنى كان أولى .

المسألة الثانية : دل القرآن على أن إبراهيم - عليه السلام - استغفر لأبيه ، قال تعالى حكاية عنه [ ص: 167 ] ( واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) ( الشعراء : 86 ) وأيضا قال عنه :( ربنا اغفر لي ولوالدي ) ( إبراهيم : 41 ) وقال تعالى حكاية عنه في سورة مريم قال :( سلام عليك سأستغفر لك ربي ) ( مريم : 47 ) وقال أيضا :( لأستغفرن لك ) ( الممتحنة : 4 ) وثبت أن الاستغفار للكافر لا يجوز ، فهذا يدل على صدور هذا الذنب من إبراهيم - عليه السلام - .

واعلم أنه تعالى أجاب عن هذا الإشكال بقوله :( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) وفيه قولان :

الأول : أن يكون الواعد أبا إبراهيم - عليه السلام - ، والمعنى : أن أباه وعده أن يؤمن ، فكان إبراهيم - عليه السلام - يستغفر لأجل أن يحصل هذا المعنى ، فلما تبين له أنه لا يؤمن وأنه عدو لله تبرأ منه ، وترك ذلك الاستغفار .

الثاني : أن يكون الواعد إبراهيم - عليه السلام - ، وذلك أنه وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) والدليل على صحة هذا التأويل قراءة الحسن ( وعدها أباه ) بالباء ، ومن الناس من ذكر في الجواب وجهين آخرين .

الوجه الأول : المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه له إلى الإيمان والإسلام ، وكان يقول له : آمن حتى تتخلص من العقاب وتفوز بالغفران ، وكان يتضرع إلى الله في أن يرزقه الإيمان الذي يوجب المغفرة ، فهذا هو الاستغفار ، فلما أخبره الله تعالى بأنه يموت مصرا على الكفر ترك تلك الدعوة .

والوجه الثاني في الجواب : أن من الناس من حمل قوله :( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) على صلاة الجنازة ، وبهذا الطريق فلا امتناع في الاستغفار للكافر لكون الفائدة في ذلك الاستغفار تخفيف العقاب ، قالوا : والدليل على أن المراد ما ذكرناه ، أنه تعالى منع من الصلاة على المنافقين ، وهو قوله :( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ) ( التوبة : 84 ) وفي هذه الآية عم هذا الحكم ، ومنع من الصلاة على المشركين ، سواء كان منافقا أو كان مظهرا لذلك الشرك ، وهذا قول غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية