( 
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون   ) 
قوله تعالى : ( 
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون   ) 
وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : أن الذي يغلب على ظني أن ابتداء هذه السورة في ذكر شبهات المنكرين للنبوة مع الجواب عنها . 
فالشبهة الأولى أن القوم تعجبوا من تخصيص الله تعالى 
محمدا  عليه السلام بالنبوة ، فأزال الله تعالى ذلك التعجب بقوله : ( 
أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم   ) [ يونس : 2 ] ثم ذكر دلائل التوحيد ودلائل صحة المعاد ، وحاصل الجواب أنه يقول : إني ما جئتكم إلا بالتوحيد والإقرار بالمعاد ، وقد دللت على صحتها ، فلم يبق للتعجب من نبوتي معنى . 
والشبهة الثانية للقوم : أنهم كانوا أبدا يقولون : اللهم إن كان ما يقول 
محمد  حقا في ادعاء الرسالة فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بما ذكره في هذه الآية . فهذا هو الكلام في كيفية النظم . ومن الناس من ذكر فيه وجوها أخرى : 
فالأول : قال القاضي : لما بين تعالى فيما تقدم الوعد والوعيد أتبعه بما دل على أن من حقهما أن يتأخرا عن هذه الحياة الدنيوية لأن حصولهما في الدنيا كالمانع من بقاء التكليف . 
والثاني ما ذكره 
القفال  ، وهو أنه تعالى لما وصف الكفار بأنهم لا يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وكانوا عن آيات الله غافلين ؛ بين أن من غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلا منهم وسفها . 
المسألة الثانية : أنه تعالى أخبر في آيات كثيرة أن هؤلاء 
المشركين متى خوفوا بنزول العذاب في الدنيا استعجلوا ذلك العذاب كما قالوا : ( 
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم   ) [ الأنفال : 32 ] وقال تعالى : ( 
سأل سائل بعذاب واقع   ) [ المعارج : 1 ] الآية . ثم إنهم لما توعدوا بعذاب الآخرة في هذه الآية ، وهو قوله : ( 
أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون   ) استعجلوا ذلك العذاب ، وقالوا : متى يحصل ذلك ؟ كما قال تعالى : ( 
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها   ) [ الشورى : 18 ] وقال في هذه   
[ ص: 40 ] السورة بعد هذه الآية : ( 
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين   ) [ يونس : 48 ] إلى قوله : ( 
آلآن وقد كنتم به تستعجلون   ) [ يونس : 51 ] وقال في سورة الرعد : ( 
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات   ) [ الرعد : 6 ] فبين تعالى أنهم لا مصلحة لهم في تعجيل إيصال الشر إليهم ؛ لأنه تعالى لو أوصل ذلك العقاب إليهم لماتوا وهلكوا ؛ لأن تركيبهم في الدنيا لا يحتمل ذلك ، ولا صلاح في إماتتهم ، فربما آمنوا بعد ذلك ، وربما خرج من صلبهم من كان مؤمنا ، وذلك يقتضي أن لا يعاجلهم بإيصال ذلك الشر . 
المسألة الثالثة : في لفظ الآية إشكال ، وهو أن يقال : كيف قابل التعجل بالاستعجال ، وكان الواجب أن يقابل التعجيل بالتعجيل ، والاستعجال بالاستعجال ؟ 
والجواب عنه من وجوه : 
الأول : قال صاحب " الكشاف " : أصل هذا الكلام : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، إلا أنه وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته وإسعافه بطلبهم ، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم . 
الثاني : قال بعضهم : حقيقة قولك : عجلت فلانا : طلبت عجلته ، وكذلك عجلت الأمر : إذا أتيت به عاجلا ، كأنك طلبت فيه العجلة ، والاستعجال أشهر وأظهر في هذا المعنى ، وعلى هذا الوجه يصير معنى الآية : لو أراد الله عجلة الشر للناس كما أرادوا عجلة الخير لهم لقضي إليهم أجلهم ، قال صاحب هذا الوجه : وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى العدول عن ظاهر الآية . 
الثالث : أن كل من عجل شيئا فقد طلب تعجيله ، وإذا كان كذلك فكل من كان معجلا كان مستعجلا ، فيصير التقدير : ولو استعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ، إلا أنه تعالى وصف نفسه بتكوين العجلة ووصفهم بطلبها ؛ لأن اللائق به تعالى هو التكوين ، واللائق بهم هو الطلب . 
المسألة الرابعة : أنه تعالى سمى العذاب شرا في هذه الآية ؛ لأنه أذى في حق المعاقب ومكروه عنده ، كما أنه سماه سيئة في قوله : ( 
ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة   ) وفي قوله : ( 
وجزاء سيئة سيئة مثلها   ) [ الشورى : 40 ] . 
المسألة الخامسة : قرأ 
ابن عامر    " لقضى " بفتح اللام والقاف " أجلهم " بالنصب ، يعني : لقضى الله ، وينصره قراءة 
عبد الله    : " لقضى إليهم أجلهم " وقرأ الباقون بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء ( أجلهم ) بالرفع على ما لم يسم فاعله . 
المسألة السادسة : المراد من استعجال هؤلاء المشركين الخير هو أنهم كانوا عند نزول الشدائد يدعون الله تعالى بكشفها ، وقد حكى الله تعالى عنهم ذلك في آيات كثيرة ، كقوله : ( 
ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون   ) [ النمل : 53 ] وقوله : ( 
وإذا مس الإنسان الضر دعانا   ) . 
المسألة السابعة : لسائل أن يسأل فيقول : 
كيف اتصل قوله : ( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا   ) بما قبله ؟ وما معناه ؟ 
وجوابه : أن قوله : ( 
ولو يعجل الله للناس   ) متضمن معنى نفي التعجيل ، كأنه قيل : ولا يعجل لهم الشر ، ولا يقضي إليهم أجلهم فيذرهم في طغيانهم ؛ أي : فيمهلهم مع طغيانهم ؛ إلزاما للحجة . 
المسألة الثامنة : قال أصحابنا : إنه تعالى لما حكم عليهم بالطغيان والعمه امتنع أن لا يكونوا كذلك ،   
[ ص: 41 ] وإلا لزم أن ينقلب خبر الله الصدق كذبا وعلمه جهلا وحكمه باطلا ، وكل ذلك محال ، ثم إنه مع هذا كلفهم ، وذلك يكون جاريا مجرى التكليف بالجمع بين الضدين .