( 
ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون   ) 
قوله تعالى ( 
ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون   ) اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة قوله : ( 
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين   ) وكان المراد منه تسليط العذاب عليهم في الدنيا ، أتبعه بقوله : ( 
ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به   ) منبها على أن الصلاح عنده تعالى كان في هذه الطائفة المتبقية دون الاستئصال ، ومن حيث كان المعلوم أن منهم من يؤمن به ، والأقرب أن يكون الضمير في قوله : " به " راجعا إلى القرآن ; لأنه هو المذكور من قبل ، ثم يعلم أنه متى حصل الإيمان بالقرآن ، فقد حصل معه الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام أيضا . 
واختلفوا في قوله : ( 
ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به   ) لأن كلمة " يؤمن " فعل مستقبل ، وهو يصلح للحال والاستقبال ، فمنهم من حمله على الحال ، وقال : المراد أن منهم من يؤمن بالقرآن باطنا ، لكنه يتعمد الجحد وإظهار التكذيب ، ومنهم من باطنه كظاهره في التكذيب ، ويدخل فيه أصحاب الشبهات ، وأصحاب التقليد ، ومنهم   
[ ص: 81 ] من قال : المراد هو المستقبل ، يعني أن منهم من يؤمن به في المستقبل بأن يتوب عن الكفر ويبدله بالإيمان ومنهم من يصر ويستمر على الكفر . 
ثم قال : ( 
وربك أعلم بالمفسدين   ) أي هو العالم بأحوالهم في أنه هل يبقى مصرا على الكفر أو يرجع عنه . 
ثم قال : ( 
وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم   ) قيل فقل لي عملي الطاعة والإيمان ، ولكم عملكم الشرك ، وقيل : لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم . 
ثم قال : ( 
أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون   ) قيل معنى الآية الزجر والردع ، وقيل بل معناه استمالة قلوبهم . 
قال 
مقاتل  والكلبي    : هذه الآية منسوخة بآية السيف وهذا بعيد ، لأن شرط الناسخ أن يكون رافعا لحكم المنسوخ ، ومدلول هذه الآية 
اختصاص كل واحد بأفعاله وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب ، وذلك لا يقتضي حرمة القتال ، فآية القتال ما رفعت شيئا من مدلولات هذه الآية فكان القول بالنسخ باطلا .