صفحة جزء
( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )

قوله تعالى : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة : ( قل انظروا ) بكسر اللام لالتقاء الساكنين ، والأصل فيه الكسر ، والباقون بضمها ؛ نقلوا حركة الهمزة إلى اللام .

المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى لما بين في الآيات السالفة أن الإيمان لا يحصل إلا بتخليق الله تعالى ومشيئته ، أمر بالنظر والاستدلال في الدلائل حتى لا يتوهم أن الحق هو الجبر المحض ، فقال : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) .

واعلم أن هذا يدل على مطلوبين :

الأول : أنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بالتدبر في الدلائل ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق " .

والثاني : وهو أن الدلائل إما أن تكون [ ص: 136 ] من عالم السماوات أو من عالم الأرض ، أما الدلائل السماوية فهي حركات الأفلاك ومقاديرها وأوضاعها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب ، وما يختص به كل واحد منها من المنافع والفوائد ، وأما الدلائل الأرضية فهي النظر في أحوال العناصر العلوية ، وفي أحوال المعادن وأحوال النبات وأحوال الإنسان خاصة ، ثم ينقسم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواع لا نهاية لها . ولو أن الإنسان أخذ يتفكر في كيفية حكمة الله سبحانه في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقله قبل أن يصل إلى أقل مرتبة من مراتب تلك الحكم والفوائد . ولا شك أن الله سبحانه أكثر من ذكر هذه الدلائل في القرآن المجيد ، فلهذا السبب ذكر قوله : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) ولم يذكر التفصيل ، فكأنه تعالى نبه على القاعدة الكلية ، حتى إن العاقل يتنبه لأقسامها ، وحينئذ يشرع في تفصيل حكمة كل واحد منها بقدر القوة العقلية والبشرية ، ثم إنه تعالى لما أمر بهذا التفكر والتأمل بين بعد ذلك أن هذا التفكر والتدبر في هذه الآيات لا ينفع في حق من حكم الله تعالى عليه في الأزل بالشقاء والضلال ، فقال : ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال النحويون : " ما " في هذا الموضع تحتمل وجهين :

الأول : أن تكون نفيا بمعنى أن هذه الآيات والنذر لا تفيد الفائدة في حق من حكم الله عليه بأنه لا يؤمن ، كقولك : ما يغني عنك المال إذا لم تنفق .

والثاني : أن تكون استفهاما ، كقولك : أي شيء يغني عنهم ، وهو استفهام بمعنى الإنكار .

المسألة الثانية : الآيات هي الدلائل ، والنذر : الرسل المنذرون أو الإنذارات .

المسألة الثالثة : قرئ : ( وما يغني ) بالياء من تحت .

التالي السابق


الخدمات العلمية