المسألة الثانية : في أن المراد بذلك البرهان ما هو ؟ أما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه : 
الأول : أنه حجة الله تعالى في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب . 
والثاني : 
أن الله تعالى طهر نفوس الأنبياء عليهم السلام عن الأخلاق الذميمة   . بل نقول : إنه تعالى طهر نفوس المتصلين به عنها كما قال : ( 
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا   ) [ الأحزاب : 33 ] فالمراد برؤية البرهان هو حصول تلك الأخلاق وتذكير الأحوال الرادعة لهم عن الإقدام على المنكرات . 
والثالث : أنه رأى مكتوبا في سقف البيت ( 
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا   ) [ الإسراء : 32 ] . 
والرابع : أنه 
النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش ، والدليل عليه أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا لمنع الخلق عن القبائح والفضائح . فلو أنهم منعوا الناس عنها ، ثم أقدموا على أقبح أنواعها وأفحش أقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى : ( 
ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون   ) [ الصف : 2 ، 3 ] وأيضا أن الله تعالى عير 
اليهود  بقوله : ( 
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم   ) [ البقرة : 44 ] وما يكون عيبا في حق 
اليهود  كيف ينسب إلى الرسول المؤيد بالمعجزات ؟ . 
وأما الذين نسبوا المعصية إلى 
يوسف  عليه السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أمورا : 
الأول : قالوا : إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب فقال 
يوسف    : لم فعلت ذلك ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على معصية ، فقال 
يوسف    : أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت ، فوالله لا أفعل ذلك أبدا ! قالوا : فهذا هو البرهان . 
الثاني : نقلوا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنه ما أنه تمثل له 
يعقوب  فرآه عاضا على أصابعه ويقول له : أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ؟ فاستحى منه . قال : وهو قول 
عكرمة   nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد  والحسن   nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  وقتادة  والضحاك  ومقاتل  وابن سيرين    . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير    : تمثل له 
يعقوب  فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله . 
والثالث : قالوا إنه سمع في الهواء قائلا يقول : يا 
ابن يعقوب  لا تكن كالطير يكون له ريش فإذا زنا ذهب ريشه . 
والرابع : نقلوا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنه ما أن 
يوسف  عليه السلام لم ينزجر برؤية صورة 
يعقوب  حتى ركضه 
جبريل  عليه السلام فلم يبق فيه شيء من الشهوة إلا خرج . 
ولما نقل 
الواحدي  هذه الروايات تصلف وقال : هذا الذي ذكرناه قول أئمة التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد   
[ ص: 97 ] التنزيل . فيقال له : إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها ، فأين هذا من الحجة والدليل ، وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشيء الواحد جائز ، وأنه عليه الصلاة والسلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الأصلية ، فلما انضاف إليها هذه الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز . والعجب أنهم نقلوا أن 
جروا دخل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبقي هناك بغير علمه ، قالوا : فامتنع جبريل  عليه السلام من الدخول عليه أربعين يوما ، وههنا زعموا أن 
يوسف  عليه السلام حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه 
جبريل  عليه السلام ، والعجب أنهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور 
جبريل  عليه السلام ، ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم كان مشتغلا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل على زي الصالحين استحيا منه وفر وترك ذلك العمل ، وههنا أنه رأى 
يعقوب  عليه السلام عض على أنامله فلم يلتفت إليه ، ثم إن 
جبريل  عليه السلام على جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بسبب حضوره حتى احتاج 
جبريل  عليه السلام إلى أن يركضه على ظهره . فنسأل الله أن يصوننا عن الغي في الدين والخذلان في طلب اليقين ، فهذا هو الكلام المخلص في هذه المسألة ، والله أعلم . 
المسألة الثالثة : في 
الفرق بين السوء والفحشاء وفيه وجوه : 
الأول : أن السوء جناية اليد والفحشاء هو الزنا . 
الثاني : السوء مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بالشهوة ، والفحشاء هو الزنا . 
أما قوله : ( 
إنه من عبادنا المخلصين   ) أي الذين أخلصوا دينهم لله تعالى ، ومن فتح اللام أراد الذين خلصهم الله من الأسواء ، ويحتمل أن يكون المراد أنه من ذرية 
إبراهيم  عليه السلام الذين قال الله فيهم : ( 
إنا أخلصناهم بخالصة   ) [ ص : 46 ] . 
المسألة الرابعة : قرأ 
ابن كثير  وابن عامر  وأبو عمرو    " المخلصين " بكسر اللام في جميع القرآن والباقون بفتح اللام .