صفحة جزء
( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )

قوله عز وجل : ( ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) .

اعلم أنه عليه السلام لما قرر أمر التوحيد والنبوة عاد إلى الجواب عن السؤال الذي ذكراه ، والمعنى ظاهر ، وذلك لأن الساقي لما قص رؤياه على يوسف ، وقد ذكرنا كيف قص عليه ، قال له يوسف : ما أحسن ما رأيت ! أما حسن العنبة فهو حسن حالك ، وأما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن ، وقال للخباز لما قص عليه : بئسما رأيت ! السلال الثلاث ثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيصلبك وتأكل الطير من رأسك . ثم نقل في التفسير أنهما قالا ما رأينا شيئا فقال : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) واختلف فيما لأجله قالا ما رأينا شيئا ، فقيل إنهما وضعا هذا الكلام ليختبرا علمه بالتعبير مع أنهما ما رأيا شيئا ، وقيل : إنهما لما كرها ذلك الجواب قالا ما رأينا شيئا .

فإن قيل : هذا الجواب الذي ذكره يوسف عليه السلام ذكره بناء على الوحي من قبل الله تعالى أو بناء على علم التعبير ، والأول باطل لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نقل أنه إنما ذكره على سبيل التعبير ، وأيضا قال تعالى : ( وقال للذي ظن أنه ناج منهما ) ولو كان ذلك التعبير مبنيا على الوحي لكان الحاصل منه [ ص: 115 ] القطع واليقين لا الظن والتخمين ، والثاني أيضا باطل ; لأن علم التعبير مبني على الظن والحسبان .

الجواب : لا يبعد أن يقال : إنهما لما سألاه عن ذلك المنام صدقا فيه أو كذبا فإن الله تعالى أوحى إليه أن عاقبة كل واحد منهما تكون على الوجه المخصوص ، فلما نزل الوحي بذلك الغيب عند ذلك السؤال وقع في الظن أنه ذكره على سبيل التعبير ، ولا يبعد أيضا أن يقال : إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير ، وقوله : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ما عنى به أن الذي ذكراه واقع لا محالة بل عنى به أنه حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية