صفحة جزء
[ ص: 137 ]

( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل )

قوله تعالى : ( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ) .

اعلم أن الموثق مصدر بمعنى الثقة ، ومعناه : العهد الذي يوثق به فهو مصدر بمعنى المفعول يقول : لن أرسله معكم حتى تعطوني عهدا موثوقا به ، وقوله : ( من الله ) أي عهدا موثوقا به بسبب تأكده بإشهاد الله وبسبب القسم بالله عليه ، وقوله : ( لتأتنني به ) دخلت اللام ههنا لأجل أنا بينا أن المراد بالموثق من الله اليمين ، فتقديره : حتى تحلفوا بالله لتأتنني به .

وقوله : ( إلا أن يحاط بكم ) فيه بحثان :

البحث الأول : قال صاحب "الكشاف" : هذا الاستثناء متصل . فقوله : ( إلا أن يحاط بكم ) مفعول له ، والكلام المثبت الذي هو قوله : ( لتأتنني به ) في تأويل المنفي ، فكان المعنى : لا تمتنعون من الإتيان به لعلة من العلل إلا لعلة واحدة .

البحث الثاني : قال الواحدي : للمفسرين فيه قولان :

القول الأول : أن قوله : ( إلا أن يحاط بكم ) معناه الهلاك ، قال مجاهد : إلا أن تموتوا كلكم فيكون ذلك عذرا عندي ، والعرب تقول : أحيط بفلان إذا قرب هلاكه ، قال تعالى : ( وأحيط بثمره ) ( الكهف : 42 ) أي أصابه ما أهلكه . وقال تعالى : ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) ( يونس : 22 ) وأصله أن من أحاط به العدو وانسدت عليه مسالك النجاة دنا هلاكه ، فقيل لكل من هلك : قد أحيط به .

والقول الثاني : ما ذكره قتادة ( إلا أن يحاط بكم ) إلا أن تصيروا مغلوبين مقهورين ، فلا تقدرون على الرجوع .

ثم قال تعالى : ( فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ) يريد شهيد ، لأن الشهيد وكيل بمعنى أنه موكول إليه هذا العهد فإن وفيتم به جازاكم بأحسن الجزاء ، وإن غدرتم فيه كافأكم بأعظم العقوبات .

التالي السابق


الخدمات العلمية