صفحة جزء
[ ص: 105 ] المسألة الثانية : فإن قال قائل : لما رجع حاصل مذهب عبدة الأوثان إلى هذه الوجوه التي ذكرتموها فمن أين يلزم من إثبات خالق العالم أن لا يجوز عبادة الأوثان ؟

الجواب : قلنا : إنه تعالى إنما نبه على كون الأرض والسماء مخلوقتين بما بينا أن الأرض والسماء يشاركون سائر الأجسام في الجسمية فلا بد وأن يكون اختصاص كل واحد منهما بما اختص به من الأشكال والصفات والأخبار بتخصيص مخصص ، وبينا أن ذلك المخصص لو كان جسما لافتقر هو أيضا إلى مخصص آخر ، فوجب أن لا يكون جسما .

إذا ثبت هذا فنقول : أما قول من ذهب إلى عبادة الأوثان بناء على اعتقاد الشبه ، فلما دللنا بهذه الدلالة على نفي الجسمية فقد بطل قوله . وأما القول الثاني ، وهو أن هذه الكواكب هي المدبرة لهذا العالم فلما أقمنا الدلالة على أن كل جسم يفتقر في اتصافه بكل ما اتصف به إلى الفاعل المختار بطل كونها آلهة ، وثبت أنها عبيد لا أرباب . وأما القول الثالث : وهو قول أصحاب الطلسمات فقد بطل أيضا لأن تأثير الطلسمات إنما يكون بواسطة قوى الكواكب ، فلما دللنا على حدوث الكواكب ثبت قولنا وبطل قولهم . وأما القول الرابع والخامس : فليس في العقل ما يوجبه أو يحيله ، لكن الشرع لما منع منه وجب الامتناع عنه . وأما القول السادس ، فهو أيضا بناء على التشبيه ، فثبت بما قدمنا أن إقامة الدلالة على افتقار العالم إلى الصانع المختار المنزه عن الجسمية يبطل القول بعبادة الأوثان على كل التأويلات ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية