صفحة جزء
( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )

قوله تعالى : ( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )

اعلم أنه تعالى لما خوف العباد بإنزال ما لا مرد له أتبعه بذكر هذه الآيات وهي مشتملة على أمور ثلاثة ، وذلك لأنها دلائل على قدرة الله تعالى وحكمته ، وأنها تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه ، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه.

[ ص: 20 ] واعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أمورا أربعة

الأول : البرق وهو قوله تعالى : ( يريكم البرق خوفا وطمعا ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" في انتصاب قوله : ( خوفا وطمعا ) وجوه :

الأول : لا يصح أن يكون مفعولا لهما ؛ لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف ؛ أي : إرادة خوف وطمع أو على معنى : إخافة وإطماعا.

الثاني : يجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع ، والتقدير : ذا خوف وذا طمع ، أو على معنى إيخافا وإطماعا.

الثالث : أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين وطامعين.

المسألة الثانية : في كون البرق خوفا وطمعا وجوه :

الأول : أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق ، ويطمع في نزول الغيث ؛ قال المتنبي :

فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي يرجي الحيا منها ويخشى الصواعقا



الثاني : أنه يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ، وكمن في جرابه التمر والزبيب ، ويطمع فيه من له فيه نفع.

الثالث : أن كل شيء يحصل في الدنيا ، فهو خير بالنسبة إلى قوم ، وشر بالنسبة إلى آخرين ، فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه ، وشر في حق من يضره ذلك ، إما بحسب المكان أو بحسب الزمان.

المسألة الثالثة : اعلم أن حدوث البرق دليل عجيب على قدرة الله تعالى ، وبيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب من أجزاء رطبة مائية ، ومن أجزاء هوائية ونارية ، ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية ، والماء جسم بارد ورطب ، والنار جسم يابس ، وظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل ، فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب واستولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه ، ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة عنيفة ، والحركة العنيفة موجبة للسخونة وهي البرق؟

والجواب : أن كل ما ذكرتموه على خلاف المعقول وبيانه من وجوه :

الأول : أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال : أينما يحصل البرق فلا بد وأن يحصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزق السحاب ، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك ، فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد.

الثاني : أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة للطبيعة المائية الموجبة للبرد ، وعند حصول هذا العارض القوي كيف تحدث النارية؟ بل نقول : النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها ، والسحاب كله ماء ، فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية؟

الثالث : من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة ، فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة بأجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر؟ فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف ، وأن حدوث النار الحاصلة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر الحكيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية