1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة إبراهيم
  4. قوله تعالى وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم
صفحة جزء
أما قوله : ( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ) ففيه مباحث :

البحث الأول : المراد أن الله تعالى وعدكم وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم ، ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم . وتقرير الكلام أن النفس تدعو إلى هذه الأحوال الدنيوية ولا تتصور كيفية السعادات الأخروية والكمالات النفسانية ، والله يدعو إليها ويرغب فيها كما قال : ( والآخرة خير وأبقى ) [ الأعلى : 17 ] .

البحث الثاني : قوله : ( وعد الحق ) من باب إضافة الشيء إلى نفسه كقوله : ( وحب الحصيد ) ، ومسجد الجامع على قول الكوفيين ، والمعنى : وعدكم الوعد الحق ، وعلى مذهب البصريين يكون التقدير : وعد اليوم الحق أو الأمر الحق أو يكون التقدير : وعدكم الحق . ثم ذكر المصدر تأكيدا .

البحث الثالث : في الآية إضمار من وجهين :

الأول : أن التقدير : إن الله وعدكم وعد الحق فصدقكم ووعدتكم فأخلفتكم وحذف ذلك لدلالة تلك الحالة على صدق ذلك الوعد ؛ لأنهم كانوا يشاهدونها وليس وراء العيان بيان ولأنه ذكر في وعد الشيطان الإخلاف فدل ذلك على الصدق في وعد الله تعالى .

الثاني : أن في قوله : ( ووعدتكم فأخلفتكم ) الوعد يقتضي مفعولا ثانيا وحذف ههنا للعلم به ، والتقدير : ووعدتكم أن لا جنة ولا نار ولا حشر ولا حساب .

[ ص: 88 ] أما قوله : ( وما كان لي عليكم من سلطان ) أي قدرة ومكنة وتسلط وقهر فأقهركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها ( إلا أن دعوتكم ) أي إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني ، قال النحويون : ليس الدعاء من جنس السلطان فقوله : (إلا أن دعوتكم ) من جنس قولهم : ما تحيتهم إلا الضرب ، وقال الواحدي : إنه استثناء منقطع أي لكن دعوتكم . وعندي أنه يمكن أن يقال : كلمة " إلا " ههنا استثناء حقيقي ؛ لأن قدرة الإنسان على حمل الغير على عمل من الأعمال تارة يكون بالقهر والقسر ، وتارة يكون بتقوية الداعية في قلبه بإلقاء الوساوس إليه ، فهذا نوع من أنواع التسلط ، ثم إن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان وعلى تعويج أعضائه وجوارحه ، وعلى إزالة العقل عنه كما يقوله العوام والحشوية ، ثم قال : ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) يعني ما كان مني إلا الدعاء والوسوسة ، وكنتم سمعتم دلائل الله وشاهدتم مجيء أنبياء الله تعالى ، فكان من الواجب عليكم أن لا تغتروا بقولي ولا تلتفتوا إلي ، فلما رجحتم قولي على الدلائل الظاهرة ، كان اللوم عليكم لا علي في هذا الباب . وفي الآية مسألتان :

المسألة الأولى : قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أشياء :

الأول : أنه لو كان الكفر والمعصية من الله لوجب أن يقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه .

الثاني : ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان وعلى تعويج أعضائه وعلى إزالة العقل عنه كما تقول الحشوية والعوام .

الثالث : أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يجوز ذمه ولومه وعقابه بسبب فعل الغير ، وعند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم .

أجاب بعض الأصحاب عن هذه الوجوه : بأن هذا قول الشيطان فلا يجوز التمسك به .

وأجاب الخصم عنه : بأنه لو كان هذا القول منه باطلا لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره ، وأيضا فلا فائدة في ذلك اليوم في ذكر هذا الكلام الباطل والقول الفاسد ، ألا ترى أن قوله : ( إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ) كلام حق ، وقوله : ( وما كان لي عليكم من سلطان ) قول حق بدليل قوله تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [ الحجر : 42 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية