صفحة جزء
( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) .

قوله تعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) .

اعلم أنه لما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء وأحوال الأشقياء ، وكان العمدة العظمى والمنزلة الكبرى في حصول السعادات معرفة الله تعالى بذاته وبصفاته ، وفي حصول الشقاوة فقدان هذه المعرفة ، لا جرم ختم الله تعالى وصف أحوال السعداء والأشقياء بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته .

[ ص: 100 ] وذكر ههنا عشرة أنواع من الدلائل :

أولها : خلق السماوات .

وثانيها : خلق الأرض ، وإليهما الإشارة بقوله تعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض ) .

وثالثها : ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ) .

ورابعها : قوله : ( وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ) .

وخامسها : قوله : ( وسخر لكم الأنهار ) .

وسادسها وسابعها : قوله : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) .

وثامنها وتاسعها : قوله : ( وسخر لكم الليل والنهار ) .

وعاشرها : قوله : ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) وهذه الدلائل العشرة قد مر ذكرها في هذا الكتاب وتقريرها وتفسيرها مرارا وأطوارا ، ولا بأس بأن نذكر ههنا بعض الفوائد . فاعلم أن قوله تعالى : ( الله ) مبتدأ ، وقوله : ( الذي خلق ) خبره . ثم إنه تعالى بدأ بذكر خلق السماوات والأرض ، وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن السماء والأرض من كم وجه تدل على وجود الصانع الحكيم ، وإنما بدأ بذكرهما ههنا لأنهما هما الأصلان اللذان يتفرع عليهما سائر الأدلة المذكورة بعد ذلك فإنه قال بعده : ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ) وفيه مباحث :

البحث الأول : لولا السماء لم يصح إنزال الماء منها ولولا الأرض لم يوجد ما يستقر الماء فيه ، فظهر أنه لا بد من وجودهما حتى يحصل هذا المقصود وهذا المطلوب .

البحث الثاني : قوله : ( وأنزل من السماء ماء ) وفيه قولان :

الأول : أن الماء نزل من السحاب وسمي السحاب سماء اشتقاقا من السمو ، وهو الارتفاع .

والثاني : أنه تعالى أنزله من نفس السماء وهذا بعيد ، لأن الإنسان ربما كان واقفا على قمة جبل عال ويرى الغيم أسفل منه ، فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليهم ، وإذا كان هذا أمرا مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا .

البحث الثالث : قال قوم : إنه تعالى أخرج هذه الثمرات بواسطة هذا الماء المنزل من السماء على سبيل العادة ؛ وذلك لأن في هذا المعنى مصلحة للمكلفين ، لأنهم إذا علموا أن هذه المنافع القليلة يجب أن تتحمل في تحصيلها المشاق والمتاعب ، فالمنافع العظيمة الدائمة في الدار الآخرة أولى أن تتحمل المشاق في طلبها ، وإذا كان المرء يترك الراحة واللذات طلبا لهذه الخيرات الحقيرة ، فبأن يترك اللذات الدنيوية ليفوز بثواب الله تعالى ويتخلص عن عقابه أولى . ولهذا السبب لما زال التكليف في الآخرة أنال الله تعالى كل نفس مشتهاها من غير تعب ولا نصب ، هذا قول المتكلمين . وقال قوم آخرون : إنه تعالى يحدث الثمار والزروع بواسطة هذا الماء النازل من السماء ، والمسألة كلامية محضة ، وقد ذكرناه في سورة البقرة .

البحث الرابع : قال أبو مسلم : لفظ ( الثمرات ) يقع في الأغلب على ما يحصل على الأشجار ، ويقع أيضا على الزروع والنبات ، كقوله تعالى : ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) [ الأنعام : 141 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية