( 
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم   ) 
قوله تعالى : ( 
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم   )  
[ ص: 181 ] وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أن أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي بعد الإنسان سائر الحيوانات لاختصاصها بالقوى الشريفة . وهي الحواس الظاهرة والباطنة ، والشهوة والغضب ، ثم هذه الحيوانات قسمان : منها ما ينتفع الإنسان بها ، ومنها ما لا يكون كذلك ، والقسم الأول أشرف من الثاني ; لأنه لما كان الإنسان أشرف الحيوانات وجب في كل حيوان يكون انتفاع الإنسان به أكمل . وأكثر أن يكون أكمل وأشرف من غيره ، ثم نقول : والحيوان الذي ينتفع الإنسان به إما أن ينتفع به في ضروريات معيشته مثل الأكل واللبس أو لا يكون كذلك ، وإنما ينتفع به في أمور غير ضرورية مثل الزينة وغيرها ، والقسم الأول أشرف من الثاني ، وهذا القسم هو الأنعام ، فلهذا السبب بدأ الله بذكره في هذه الآية ، فقال : ( 
والأنعام خلقها لكم   ) . 
واعلم أن 
الأنعام عبارة عن الأزواج الثمانية وهي : الضأن ، والمعز ، والإبل ، والبقر ، وقد يقال أيضا : الأنعام ثلاثة : الإبل ، والبقر ، والغنم . قال صاحب "الكشاف" : وأكثر ما يقع هذا اللفظ على الإبل . وقوله : ( 
والأنعام   ) منصوبة وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله تعالى : ( 
والقمر قدرناه منازل   ) [يس : 39] ويجوز أن يعطف على الإنسان . أي : خلق الإنسان والأنعام ، قال 
الواحدي    : تم الكلام عند قوله : ( 
والأنعام خلقها   ) ثم ابتدأ وقال : ( 
لكم فيها دفء   ) ويجوز أيضا أن يكون تمام الكلام عند قوله : ( 
لكم   ) ثم ابتدأ وقال : ( 
فيها دفء   ) قال صاحب "النظم" : أحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله : ( 
خلقها   ) والدليل عليه أنه عطف عليه قوله : ( 
ولكم فيها جمال   ) والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال .