[ ص: 116 ]   ( سورة الإسراء ) 
مكية ، إلا الآيات : 26 و 32 و 33 و 57 ومن آية 73 إلى غاية آية 80 فمدنية وآياتها : 111 ، 
نزلت بعد القصص . 
عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنها مكية ، غير قوله : ( 
وإن كادوا ليستفزونك من الأرض   ) [ الإسراء : 76 ] إلى قوله : ( 
واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   ) [الإسراء : 80] ؛ فإنها مدنيات ، نزلت حين جاء وفد ثقيف . 
بسم الله الرحمن الرحيم . 
( 
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير   ) 
بسم الله الرحمن الرحيم . 
( 
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير   ) . 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قال النحويون : " سبحان " اسم علم للتسبيح . يقال : سبحت الله تسبيحا وسبحانا ، فالتسبيح هو المصدر . وسبحان اسم علم للتسبيح ، كقولك : كفرت اليمين تكفيرا وكفرانا ، وتفسيره : تنزيه الله تعالى من كل سوء . قال صاحب النظم : السبح في اللغة : التباعد ، يدل عليه قوله تعالى : ( 
إن لك في النهار سبحا   ) [ المزمل : 7] . أي : تباعدا . فمعنى : سبح الله تعالى ، أي : بعده ونزهه عما لا ينبغي ، وتمام المباحث العقلية في لفظ التسبيح قد ذكرناها في أول سورة الحديد ، وقد جاء في لفظ التسبيح معان أخرى : 
أحدها : أن التسبيح يذكر بمعنى الصلاة ، ومنه قوله تعالى : ( 
فلولا أنه كان من المسبحين   ) [الصافات : 143] . أي : من المصلين ، والسبحة : الصلاة النافلة ، وإنما قيل للمصلي مسبح ؛   
[ ص: 117 ] لأنه معظم لله بالصلاة ومنزه له عما لا ينبغي . 
وثانيها : ورد التسبيح بمعنى الاستثناء في قوله تعالى : ( 
قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون   ) [ القلم : 28] . أي : تستثنون ، وتأويله أيضا يعود إلى تعظيم الله تعالى في الاستثناء بمشيئته . 
وثالثها : جاء في الحديث : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013071لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء   " قيل : معناه نور وجهه ، وقيل : سبحات وجهه نور وجهه الذي إذا رآه الرائي ، قال : سبحان الله ، وقوله : ( 
أسرى   ) قال أهل اللغة : أسرى وسرى لغتان . وقوله : ( 
بعبده   ) أجمع المفسرون على أن المراد 
محمد  عليه الصلاة والسلام ، وسمعت الشيخ الإمام الوالد 
عمر بن الحسين    - رحمه الله - قال : سمعت الشيخ الإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=11898أبا القاسم سليمان الأنصاري  قال : لما وصل 
محمد  صلوات الله عليه إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحى الله تعالى إليه : يا 
محمد  ، بم أشرفك ؟ قال : "يا رب بأن تنسبني إلى نفسك بالعبودية" فأنزل الله فيه : ( 
سبحان الذي أسرى بعبده   ) ، وقوله : ( 
ليلا   ) نصب على الظرف . 
فإن قيل : 
الإسراء لا يكون إلا بالليل ، فما معنى ذكر الليل ؟ 
قلنا : أراد بقوله : ( 
ليلا   ) بلفظ التنكير تقليل 
مدة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من 
مكة  إلى 
الشام  مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ، واختلفوا في ذلك الليل ؛ قال 
مقاتل    : كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة ، ونقل صاحب الكشاف عن 
أنس  والحسن    : أنه كان ذلك قبل البعثة . وقوله : ( 
من المسجد الحرام   ) اختلفوا في 
المكان الذي أسري به منه ، فقيل : هو 
المسجد الحرام  بعينه ، وهو الذي يدل عليه ظاهر لفظ القرآن ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013072بينا أنا في المسجد الحرام  في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل  بالبراق   " . وقيل : أسري به من دار 
 nindex.php?page=showalam&ids=94أم هانئ بنت أبي طالب    . والمراد على هذا القول 
بالمسجد الحرام  الحرم  ؛ لإحاطته بالمسجد والتباسه به ، وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : 
الحرم  كله مسجد ، وهذا قول الأكثرين ، وقوله : ( 
إلى المسجد الأقصى   ) اتفقوا على أن المراد منه 
بيت المقدس  ، وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، وقوله : ( 
الذي باركنا حوله   ) قيل : بالثمار والأزهار ، وقيل : بسبب أنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة . 
واعلم أن كلمة " إلى " لانتهاء الغاية ، فمدلول قوله : ( 
إلى المسجد الأقصى   ) أنه وصل إلى حد ذلك المسجد ، فأما أنه دخل ذلك المسجد أم لا ، فليس في اللفظ دلالة عليه ، وقوله : ( 
لنريه من آياتنا   ) يعني : ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات التي تدل على 
قدرة الله تعالى   . 
فإن قالوا : قوله ( 
لنريه من آياتنا   ) يدل على أنه تعالى ما أراه إلا بعض الآيات ؛ لأن كلمة " من " تفيد التبعيض ، وقال في حق 
إبراهيم    : ( 
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض   ) [الأنعام : 75] . فيلزم أن يكون معراج 
إبراهيم    - عليه السلام - أفضل من 
معراج محمد  صلى الله عليه وسلم   . 
قلنا : الذي رآه 
إبراهيم  ملكوت السماوات والأرض ، والذي رآه 
محمد  صلى الله عليه وسلم بعض آيات الله تعالى ، ولا شك أن آيات الله أفضل . 
ثم قال : ( 
إنه هو السميع البصير   ) أي : أن الذي أسرى بعبده هو السميع لأقوال 
محمد  ، البصير بأفعاله ، العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الرياء ، مقرونة بالصدق والصفاء ؛ فلهذا السبب خصه الله تعالى بهذه الكرامات ، وقيل : المراد سميع لما يقولون للرسول في هذا الأمر ، بصير بما يعملون في هذه الواقعة .  
[ ص: 118 ]