ثم قال تعالى : ( 
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : لفظ " إما " لفظة مركبة من لفظتين : إن ، وما . أما كلمة " إن " فهي للشرط ، وأما كلمة " ما " فهي أيضا للشرط كقوله تعالى : ( 
ما ننسخ من آية   ) [ البقرة : 106 ] فلما جمع بين هاتين الكلمتين أفاد التأكيد في معنى الاشتراط ، إلا أن علامة الجزم لم تظهر مع نون التوكيد ، لأن الفعل يبنى مع نون التأكيد وأقول لقائل أن يقول : إن نون التأكيد إنما يليق بالموضع الذي يكون اللائق به تأكيد ذلك الحكم المذكور وتقريره وإثباته على أقوى الوجوه ، إلا أن هذا المعنى لا يليق بهذا الموضع ، لأن قول القائل : الشيء إما كذا وإما كذا ، فالمطلوب منه ترديد الحكم بين ذينك الشيئين المذكورين ، وهذا الموضع لا يليق به التقرير والتأكيد فكيف يليق الجمع بين كلمة إما وبين نون التأكيد ؟ 
وجوابه : أن المراد أن هذا الحكم المتقرر المتأكد إما أن يقع وإما أن لا يقع . والله أعلم . 
المسألة الثانية : قرأ الأكثرون : ( 
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما   ) وعلى هذا التقدير فقوله : ( 
يبلغن   ) فعل وفاعله هو قوله : ( 
أحدهما   ) وقوله : ( 
أو كلاهما   ) عطف عليه كقولك : ضرب زيد أو عمرو : ولو أسند قوله : ( 
يبلغن   ) إلى قوله : ( 
كلاهما   ) جاز لتقدم الفعل ، تقول قال رجل ، وقال رجلان ، وقالت الرجال ، وقرأ 
حمزة  والكسائي    : " يبلغان " وعلى هذه القراءة فقوله : ( 
أحدهما   ) بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين ( وكلاهما ) عطف على ( أحدهما ) فاعلا أو بدلا . 
فإن قيل : لو قيل إما يبلغان كلاهما كان كلاهما توكيدا لا بدلا ، فلم زعمتم أنه بدل ؟ 
قلنا : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للاثنين فانتظم في حكمه ، فوجب أن يكون مثله في كونه بدلا . 
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : قوله : ( 
أحدهما   ) بدل ، وقوله : ( 
أو كلاهما   ) توكيد ، ويكون ذلك عطفا للتوكيد على البدل ؟ 
قلنا : العطف يقتضي المشاركة فجعل أحدهما بدلا والآخر توكيدا خلاف الأصل . والله أعلم . 
المسألة الثالثة : قال 
أبو الهيثم الرازي  ، 
وأبو الفتح الموصلي  ، 
وأبو علي الجرجاني    : إن ( كلا ) اسم مفرد يفيد معنى التثنية ووزنه " فعل " ولامه معتل بمنزلة لام حجى ورضى ، وهي كلمة وضعت على هذه الخلقة يؤكد بها الاثنان خاصة ولا تكون إلا مضافة . والدليل عليه أنها لو كانت تثنية لوجب أن يقال في النصب والخفض مررت بكلي الرجلين بكسر الياء كما تقول : بين يدي الرجل " ومن ثلثي الليل " . " ويا صاحبي السجن " ، " وطرفي النهار " ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أنها ليست تثنية بل هي لفظة مفردة وضعت للدلالة على التثنية كما أن لفظة " كل " اسم واحد موضوع للجماعة ، فإذن أخبرت عن لفظه كما تخبر عن الواحد كقوله تعالى : ( 
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا   ) [ مريم : 95 ] وكذلك إذا أخبرت عن كلا أخبرت عن واحد فقلت كلا إخوتك كان قائما قال الله تعالى : ( 
كلتا الجنتين آتت أكلها   ) [ الكهف : 33 ] ولم يقل آتتا . والله أعلم . 
المسألة الرابعة : قوله : ( 
يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما   ) معناه : أنهما يبلغان إلى حالة الضعف والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر .   
[ ص: 151 ]